في عام 249م أحاط الرعاع بابنة أحد أعضاء المجلس البلدي الهامين في مدينة الاسكندرية لأنها كانت تحمل أفكاراً خطيرة صرحت بها فهجموا عليها فحطموا أسنانها ثم جمعوا حطباً أوقدوا به ناراً عظيمة ثم طلبوا منها التوبة عن الأفكار التي تعتنقها وإلا كان مصيرها النار, فألقت المرأة نفسها في النار فاستراحت وأراحت, ووقف القوم يتأملونها بمتعة وهي تشوى ببطء على النار!. روى هذه الواقعة المؤرخ (أويسبيوس Eusebius) في كتاب (تاريخ الطب) وبعد حرقها بعشرة قرون في القرن الثالث عشر للميلاد بدأت شخصيتها الثقافية تنتشر عبر أوروبا, وفي عام 1634م أصبحت (أبولونيا Apollonia) قديسة في نظر العوام. هذه القصة ليست الوحيدة في التاريخ الإنساني التي تحكي حماقة الجنس البشري وجدلية القوة والفكرة, فقد تم افتتاح القرن السابع عشر بنار متوهجة أنارت أفق أوروبا حينما أحرق الفيلسوف الإيطالي (جيوردانو برونو) في 17 فبراير من عام 1600م حياً في روما وعمره 52 سنة بعد اعتقال مضنٍ دام ثماني سنوات في الفاتيكان والخضوع لكل أنواع الإذلال والتحقيق الاستخباراتي ليتم اصطياده برأيه الكوسمولوجي عن كون دون حدود ومجرات لا نهائية تتزاحم في الملأ العلوي. قال الرجل: (الأرض ليست مركز العالم ولا الشمس, وفي ما وراء العالم الذي نراه عوالم أخرى إلى مالا نهاية, وربما كانت هناك كواكب كثيرة تسكنها كائنات حية ذكية, فهل مات المسيح من أجلهم كذلك؟). وفي الوقت الذي أعادت الكنيسة الاعتبار لغاليلو حرمت منه برونو حتى اليوم, وحرق (برونو) و(أبولونيا) من أجل أفكارهم ليست نماذج قليلة أو نادرة, ففي الثالث من نوفمبر 1411 م اعتقل المصلح الديني (جان هوس JAN HUS) التشيكي وأُخضع لحفلة تحقيق جهنمية من أجل كتاباته وأُدين في 6 يوليو 1415 م بسبب ثلاثين جملة اعتبرت (هرطقة) وحكم بأن يحرق (حياً) على النار ذات الوقود, ونفذ الحكم في نفس يوم إصداره. وفي 27 أكتوبر 1553 م أدين الطبيب الاسباني (ميشيل سرفيتوس MICHEL SERVETIOS) مكتشف الدورة الدموية الصغرى بسبب قوله بالتوحيد وتعميد البالغين, فلا يعقل تلقين العقيدة لمن لا يعقل, وتكليف اللا مسؤول بالمسؤولية, أو أن الرب انشطر إلى ثلاثة أجزاء دون أن ينشطر؟!. وكان خلف إصدار الحكم (كالفن) المصلح الديني في سويسرا, ولم تشفع له دموعه وتوسلاته في تحويل الحكم إلى الشنق أو قطع الرأس, فأُحرق (حياً) حرصاً على مزيد من الطهارة, ولم يرمش لكالفن رمش عين, وتقرّب بدمه إلى الله مرتاحاً أنه نظف الأرض من هرطيق!!.