«إن هناك سقوطاً مهنياً مُريعاً في تغطية القناة وأسلوب تعاملها مع الأحداث إضافة إلى قضايا داخلية أخرى لا أستطيع الحديث عنها، وإن هناك دماءً تسيلُ كما إن هناك زملاء قُتلوا وتم توظيف دمائهم في أمور لا علاقة لها بالمهنة»، بهذه الكلمات لخّصَ الإعلاميُ التونسي المخضرم غسان بن جدّو أسبابَ تقديم استقالته من العمل في قناة «الجزيرة» القطرية التي ذبحت نفسها بغير سكين ووأدت مستقبلها وهي لا تزال في عمر الزهور .. لقد تأخّرَ غسّان كثيراً عن إقدامه على مثل هذه الخطوة لكن وكما يقال : أن تأتي متأخراً خيرٌ من أن لا تأتي، فقد أعاد إلينا الآمال بأن هناك أشخاصاً سيعملون على كبح جماح هذه القناة التي أثبتت أنها ذئبٌ مفترسٌ بعد أن حاولت خداعنا بتلبسها ثوبَ الحمل الوديع على مدى خمس عشرة سنة مضت، وبعد أن مرّغت أنفَ المهنية والمصداقية في التراب وقضت على كل أحلامنا في أن نرى إعلاماً صادقاً يقف إلى جانب الحقيقة والمهنية ويحافظ على ثوابت المهنة وميثاق شرفها، وتحولت إلى بوق للفتنة والحرب والتدمير وهي تعلم يقيناً النتائج الوخيمة لتلك النيران التي تشعلها . ماذا تريد هذه القناة بعد أن أعادت ليبيا إلى دولةٍ للأشباح دون سابق إنذار وجعلت منها كومة للركام وقضت على الأخضر واليابس بل وأدخلتها في نفقٍ مُظلمٍ له بداية ولا يعلمُ إلا الله نهايته ؟!. لا أدري كيف ستلملمُ هذه القناةُ فضائحَها التي راكمتها إلى ما قبل حوالي أربعة أشهر وأخرجتها دفعة واحدة ؟ وكيف ستواجه الجمهور بعد كل هذه الفضائح والسقوط المريع في وحل الفتنة والدجل والتزوير ؟ لعمري بعد كل هذا الكذب والتحريض والتدليس والخداع والتطاول والمكر والضحك على الذقون ما الذي ستقوم به الجزيرة وماذا ستقدِّمُ للناس من مبررات كي تقنعهم أن يعودوا إلى أحضانها رغم استبعادي ذلك مهما فعلت ؟ أنا على ثقة بأن الأستاذ غسّان سيكونُ الأولَ ولن يكونَ الأخير الذي يُقدِّمُ استقالته من هذه القناة، وأن ضمائر الزملاء العاملين فيها ستتحركُ وتنتصرُ لدماء الناس وتنهي آمال الضمائر الحاقدة والميتة لمن يديرون هذه القناة وينفذون أجندتهم ووصايتهم على هذه الأمة، مهما كانت حاجة بعضهم المادية مُلحَّة للبقاء فيها، فالله هو الرازق الكافي لجميع عباده كما أنهم قادرون بما يمتلكونه من إمكانيات أن يحصلوا على فُرص عملٍ في قنوات أخرى، وإن كانت أضواءُ هذه القناة وإغراءاتُها قد مثلت حافزاً لعملهم طيلة السنوات الماضية، كما أن لدي قناعة بأن سمعتهم ورصيدهم من ثقة الناس واعتزازهم بهم ستنتصر على بهرج الحياة المادية. ولا أعتقد أيضاً أنهم والكثيرُ منهم فلسطينيون سيرضون أن تنزف أوطانهم العربية الأخرى كما تنزف بلادُهم من قبل الصهاينة، وأن يقبلوا على أنفسهم بالمشاركة في هذا الجرم الذي خطط له ودبره من لا خير فيهم لأهلهم . أخيراً .. وعندما نتحدث عن غسّان بن جِدّو فإنه يختلف عن كثيرين كونه يعتبر من أقطاب هذه القناة ودعائمها الرئيسية وأكثر المدافعين عنها منذ التحاقه بها، لكن ضميره لم يقبل أن يكون مطية لذبح أشقائه بعد أن خرجت القناة عن القواعد المهنية بأسلوب فجٍ لم يعد ينطلي على أحد، والحمد لله أنه انتصر للمهنية والحقيقة والموضوعية، وكلي أمل في أن يراجع زملاؤنا المتعصبون لهذه القناة أكثر من قطر نفسها أن يراجعوا حساباتهم وأن نتقي الله جميعاً في هذا الوطن الذي هو أمانة في أعناقنا .. فاصلة : بعدَ مُغادرةِ غسّان ،، لقناةٍ هي للتحريضِ عنوان ،، أعتقد أنه لن يبقى فيها سوى عزمي بشارة وجمال ريّان . [email protected]