من يقرأ تاريخ اليمن جيداً يجد أن اليَمَن تعني التيمن أو التيامن أي الأخذ ذات اليمين أو الذهاب إليها، ومن معانيها أيضاً اليُمنٍ وهو الخير والبركة وتعني العيش الرغيد، أطلقها العرب قديماً على هذا الجزء من الجزيرة العربية والتي يعتبرها البعض أصل العرب جميعاً، دلالة على ما كانت تتمتع به من أسباب الحياة الكريمة في تلك الأزمان الغابرة . وعندما زار منطقة الشرق القديم بعض مؤرخي الإغريق ورحّالتهم في القرن الخامس قبل الميلاد وهم الذين أطلقوا بعض الأسماء الخالدة في المنطقة كبلاد الرافدين وإثيوبيا, لم تصدق أعينهم ما رأوا من رفاه الحياة ورخاء في اليمن متمثلاً بتطور عمراني فريد وفنون زراعية مدهشة وسدود متطورة جداً وتجارة عابرة للقارات تقطع البراري والبحار، عندها بحث هؤلاء الرحّالة عن اسم أو لقب يناسب هذا البلد وشعبه فأطلقوا عليه «بلاد العرب السعيدة» إلى جانب بلاد العرب الصحراء وهي معظم الجزيرة العربية وبلاد العرب الصخر قاصدين بذلك شمال الجزيرة العربية ومملكة الأنباط التي كانت عاصمتها البتراء ( الأردن حالياً ) وأصبح اليمن مشهوراً منذ ذلك الحين بهذا اللقب«اليمن السعيدة». والجدير بالإشارة هنا هو أن العرب لم يخطئوا بهذه التسمية ولا الإغريق بهذا اللقب، إذ شهد الله لهم في القرآن الكريم حيث قال عن اليمن : «لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور»، وتراءى للبعض لقب اليمن ب ( أرض الجنتين ) انطلاقاً من هذه الآية. هذه حال الأرض، أما أهلها فقد اتصفوا من قديم الأزل بالشجاعة والبأس الشديد والعقل الراجح ووصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم أهل الإيمان والحكمة وأنهم أرق أفئدةً وألين قلوباً وذلك كما جاء في الحديث الشريف : «أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوباً الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية». إذاً فبطيبة الأرض مع طيبة أهلها ازدان اليمن السعيد وأصبح سعيداً أكثر بالإسلام بعد انتشاره في الجزيرة العربية وكسب واستحق دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جانب الشام، وهو الدعاء الذي قال فيه «اللّهم بارك لنا في يمننا و شامنا». وبالرغم من أن اليمن في تأريخها الحديث والمعاصر مرت بعهود سادها الظلم والتخلف والاستعمار والفرقة والشتات, وواجهت العديد من الفتن والأزمات والأحداث والمحن, إلا أن أولي الإيمان والحكمة والشجاعة والقلوب اللينة والعقول الراجحة من أبنائها استطاعوا أن يحرروا اليمن من عهود الظلام والتخلف ويخرجونها بسلام من دوامة العديد من المشاكل والأزمات والمحن, لتظل يمناً سعيدة موحدة وآمنة ومستقرة. لكن ما تشهده اليمن اليوم من أحداث وتداعيات خطيرة وصلت حد الاقتتال وإراقة الدماء بين أبنائها, ويمكن أن تهدد كيانها ونسيجها الاجتماعي الواحد, في ظل تفاقم هذه الأحداث وتنامي لغة العنف وأصوات الرصاص وإراقة الدماء, وضعف أو اختفاء أصوات ودعوات العقل والإيمان والحكمة بين أبنائها لحقن الدماء ورأب الصدع والخروج باليمن إلى بر الأمان. كل هذه الأحداث والتداعيات تجعلنا كمواطنين يمنيين أكثر خوفاً وقلقاً على مستقبل يمننا الحبيبة ووحدتها, ونخشى أن تظل اليمن في ظل استمرار هذا الوضع حزينة وتعيسة لوقت طويل لا يعلم مداه إلا الله, وعندئذٍ يطلق عليها لقب ( اليمن الحزينة ) وليست (السعيدة). اللهم جنب اليمن المشاكل والفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن, وقيض لها من أبنائها أهل الإيمان والحكمة من يخرجها من دوامة هذه الأحداث والمحن بسلام, ويعيد لها سعادتها ويحفظ وحدتها وأمنها واستقرارها, إنك ولي ذلك والقادر عليه وحسبنا الله ونعم الوكيل. (*) أستاذ التسويق المساعد جامعة تعز [email protected]