احتجاجات غاضبة في حضرموت بسبب الانقطاعات المتواصلة للكهرباء    البكري يبحث مع مدير عام مكافحة المخدرات إقامة فعاليات رياضية وتوعوية    الوصفة السحرية لآلام أسفل الظهر    اليمن يستهدف عمق الكيان    تصنيف الأندية المشاركة بكأس العالم للأندية والعرب في المؤخرة    الأمم المتحدة:نقص الدعم يهدد بإغلاق مئات المنشآت الطبية في اليمن    تعز.. مقتل وإصابة 15 شخصا بتفجير قنبلة يدوية في حفل زفاف    منظومات دفاع الكيان تقصف نفسها!    بايرن ميونخ يحقق أكبر فوز في تاريخ كأس العالم للأندية    علماء عرب ومسلمين اخترعوا اختراعات مفيدة للبشرية    دخول باكستان على الخط يسقط خيار الضربة النووية الإسرائيلية    أرقام صادمة لحمى الضنك في الجنوب    مستشار بوتين.. انفجار النهاية: إسرائيل تهدد بتفجير نووي شامل    للكبار فقط...    الانتقالي ومعايير السيطرة في الجنوب    التوقعات المصيرية للجنوب في ظل الحرب الإسرائيلية الإيرانية    اغلاق السفارة الامريكية في اسرائيل وهجوم جديد على طهران وترامب يؤمل على التوصل لاتفاق مع إيران    خلال تفقده الانضباط الوظيفي في وزارتي النقل والأشغال العامة والنفط والمعادن    القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن .. بول دريش جامعة أكسفورد «الأخيرة»    الأمم المتحدة.. الحاضر الغائب!!    وزيرا الخارجية والصحة يلتقيان مبعوث برنامج الأغذية العالمي    مجلس الشيوخ الباكستاني يوافق بالإجماع على دعم إيران في مواجهة العدوان الصهيوني    صحيفة امريكية تنشر تفاصيل عن عملية الموساد في إيران    عراقجي: امريكا واوربا تشجع عدوان اسرائيل والدبلوماسية لن تعود إلا بوقف العدوان    الفريق السامعي: الوطنية الحقة تظهر وقت الشدة    ثابتون وجاهزون لخيارات المواجهة    حصاد الولاء    مناسبة الولاية .. رسالة إيمانية واستراتيجية في مواجهة التحديات    العقيد العزب : صرف إكرامية عيد الأضحى ل400 أسرة شهيد ومفقود    إب.. إصابات وأضرار في إحدى المنازل جراء انفجار أسطوانة للغاز    مرض الفشل الكلوي (8)    من يومياتي في أمريكا .. صديقي الحرازي    تعيين غاتوزو مدرباً للمنتخب الإيطالي    شعب حضرموت يفسخ عقد الزريقي    الحلف والسلطة يخنقون الحضارم بقطع الكهرباء    وزيرا الخارجية والصحة يلتقيان مبعوث برنامج الأغذية العالمي    البكري يرأس اجتماعًا لوكلاء القطاعات العامة ويناقش إعداد خطة ال (100) يوم    هيئة الآثار :التمثالين البرونزيين باقيان في المتحف الوطني    نائب وزير الخدمة المدنية ومحافظ الضالع يتفقدان مستوى الانضباط الوظيفي في الضالع    قوات الجيش تعلن إفشال محاولة تسلل شمال الجوف وتكبّد المليشيا خسائر كبيرة    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الأحد 15 يونيو/حزيران 2025    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    انهيار جزئي في منظومة كهرباء حضرموت ساحلا ووادي    أهدر جزائية.. الأهلي يكتفي بنقطة ميامي    اسبانيا تخطف فوزاً من رومانيا في يورو تحت 21 عاماً    اليغري كان ينتظر اتصال من انتر قبل التوقيع مع ميلان    صنعاء.. التربية والتعليم تحدد موعد العام الدراسي الجديد    حضرموت.. خفر السواحل ينقذ 7 أشخاص من الغرق ويواصل البحث عن شاب مفقود    بعد أيام من حادثة مماثلة.. وفاة 4 أشخاص إثر سقوطهم داخل بئر في إب    صنعاء تحيي يوم الولاية بمسيرات كبرى    - عضو مجلس الشورى جحاف يشكو من مناداته بالزبادي بدلا عن اسمه في قاعة الاعراس بصنعاء    سرقة مرحاض الحمام المصنوع من الذهب كلفته 6ملايين دولار    اغتيال الشخصية!    الأستاذ جسار مكاوي المحامي ينظم إلى مركز تراث عدن    قهوة نواة التمر.. فوائد طبية وغذائية غير محدودة    حينما تتثاءب الجغرافيا .. وتضحك القنابل بصوت منخفض!    الترجمة في زمن العولمة: جسر بين الثقافات أم أداة للهيمنة اللغوية؟    فشل المطاوعة في وزارة الأوقاف.. حجاج يتعهدون باللجوء للمحكمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن.. ثنائية الإيمان والحكمة .. (محاولة لفهم التاريخ)

تهلل وجه رسول الله صلى الله علية وسلم واستبشر عندما رأى وفود أهل اليمن في عام الوفود تأتي مبايعة له وناطقة بالشهادة لا خوفا من جيش ولا درأ لخطر وإنما مؤمنة موحده .. ولكن كيف حدث هذا ؟ أيعقل أن تكون كل هذه الوفود الإيمانية نتيجة لجهود من أرسلهم النبي إلى اليمن؟
صحيح أن من أرسلهم النبي إلى اليمن هم من أصدق الرجال وأكثرهم رجاحة وفضلا ( معاذ بن جبل وعلي بن أبي طالب وخالد بن الوليد....) لكن أيعقل أن تكون كل تلك المجاميع الإيمانية نتيجة لجهودهم .. أم نتيجة لقصة باذان ) عامل اليمن الفارسي ) الشهيرة ؟؟
هناك أمر سماوي خفي في الموضوع لا تميزه العين ولا يدركه العقل المادي ترى ما هو؟ لكن مثلما أزال رسول الله الشك في النفس الإنسانية بنور التوحيد والإيمان أراد الله أن لا يجعل هذا التساؤل بدون إجابة ربانية إذا علمنا أن كلام رسول الله لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى..
نعم أبشروا يا أهل اليمن قالها أشرف المرسلين بشهادة كل الرواة :- "جاءكم أهل اليمن هم أرق قلوبا وألين أفئدة .. الإيمان يمان والحكمة يمانية". صدق رسول الله
إذا هي الحكمة والإيمان التي قالها رسول الله بكل الصراحة والوضوح وبدون خجل من الوفود الباقية المحيطة به لماذا يا ترى ميََََز أهل اليمن بثنائية الحكمة والإيمان ؟ لماذا اختار اليمن دون بقية أصقاع الأرض؟ نحن نعلم أن رسول الله لم يزر اليمن في حياته.. لم يدخلها لا غزوا ولا فتحا لا قبل بعثته الشريفة ولا بعدها .. كررها النبي أكثر من مرة لقد دعا بالبركة للبلد الذي لم يره بقوله "اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا" ثلاث مرات لكي يقطع الشك باليقين ولكي لا يعتبرها صحابته مجرد دعوة عادية أسيرة احتياج آني .. لا .. هذا كلام يسير إلى الخلود ما سرى الليل والنهار .

نحن لسنا في معرض سرد أحاديث الرسول الأكرم في أهل اليمن فهي كثيرة ومعروفه لكننا سنركز على عنوان هذا المقال فقط.
كمحاولة للفهم من وجهة نظر شخصية لتفسير كلام رسول الله الذي قاله قبل أربعة عشر قرنا من الزمان في إيمان أهل اليمن وحكمتهم نورد بعض الشواهد التي تميزت بها اليمن منذ تاريخها القديم وحتى زمنها المعاصر وعندما نربطها في سياق واحد نجد أن ما قاله رسول الله في ما يخص الإيمان والحكمة هو جدير بالوقوف عنده والتأمل فيه وما يزيدنا ذلك إلا إيمانا برسول الله وبدعوته وأيضا بعظمة البلد الذي ننتمي إليه..
أورد القرآن في أخبار المرسلين في قصة سيدنا سليمان بن داوود عليهما السلام قصة بلقيس تلك الملكة اليمنية التي كانت تحكم اليمن والتي قدمت كملكة يمنية وولية أمر ما يمثل قمة الحكمة السياسية عندما قرأت رسالة سيدنا سليمان وقالت "ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون" النمل 32- للمرة الأولى تضرب اليمن وبالشهادة الربانية أول درس ديمقراطي للبشرية حينما تداولت الملكة كتاب نبي الله سليمان مع أهل الشورى في مملكتها وقالت: " إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون" النمل35
وهذا التبصر الفطري بما سيحدث أرقى درجات الحكمة الأمر الذي جنبها وبلادها ما كان سليمان عليه السلام يزمع فعله عندما قال "فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون " النمل37 وكما الحكمة فقد ضربت بلقيس مثال الإيمان عندما قدمت على سليمان وأسلمت معه لله رب العالمين . نعم برسالة الهدهد .. وكأن الزمن يعيد نفسه في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الوفود .. نفس الرسالة .. ونفس الدعوة .. وأيضا كان من أهل اليمن ..نفس الجواب .
غريبة هي علاقة اليمنيين بالدين فهم ذوو نزعة تدينية بالفطرة وهذه الفطرة نأت باليمن كثيرا عن الوثنية باتجاه الديانات السماوية التي بعث في اليمن العديد من الرسل فقد اعتنق اليمنيون اليهودية قبل آلاف السنين عندما كانت هي الرسالة السماوية السائدة في ذلك الوقت وقد بقي من اعتنقها في اليمن جنبا إلى جنب مع إخوانهم المسلمين متعايشين بسلام حتى نهاية الأربعينيات من القرن العشرين عندما هاجر معظمهم إلى الكيان العبري وبقي عدد من المئات منهم في اليمن لم تغريهم الوعود الوردية بالحياة الرغيدة في أرض الميعاد ، مفضلين ظروفهم المعيشية غير المترفة في اليمن ومتمسكين بأرضهم إلى آخر رمق في الأرض التي عاشوا فيها بسلام ومحبة ضاربين كيمنيين مثالا رائع في الأصالة وكأن الحكمة لا تغادر اليمنيين مهما كانت ديانتهم .
تماما مثلما كان للنصرانية أو المسيحية مؤمنين كثر في اليمن قبل بعثة النبي الأكرم فقد احتضنت الأرض اليمنية الرسالات السماوية في صدور أهلها بحثا عن جوهر الدين الحق وقد سجل القرآن الكريم لمسيحي اليمن مثالا إيمانيا عظيما عندما خيروا بين دينهم ونار الأخدود فاختاروا دينهم كما أتانا في سورة البروج .
أما قصة اليمنيين مع الإسلام فهي جديرة بالتوقف عندها قليلا حيث سجل التاريخ بأحرف من نور مبادرة اليمنيين إلى اعتناق الإسلام بشكل لم يناظرهم أحد من قبائل وأقطار الجزيرة العربية ، ما حدا بمفكر عربي للقول "أن هناك عدة تأويلات لسبب تلك المبادرة والمسارعة لكن أقوى تأويل هو ما جعل الله في نفوس اليمنيين من الإيمان وفي قلوبهم من الرقة ومحبة الخير وما ادخره الله لهم بمحض فضله من إنعام و فضل".
وقد أكرم اليمنيون وفادة رسل رسول الله الذين أرسلهم إليهم ليعلموهم أمور دينهم عندما رأى رسول الله قلوب أهل اليمن قابلة للإيمان فأخذوا عنهم دين الله وعملوا به وتحاكموا إليه ولعل دين الله ورسول الله لن ينسوا لليمن ولليمنيين بناء الجامع الكبير في صنعاء كأول دار للتوحيد خارج أرض الرسالة المحمدية سنة 6 للهجرة في وقت كانت الأصنام والأوثان تملأ بيت الله الحرام في مكة المكرمة .

حمل اليمنيون الرسالة الإسلامية إلى مشارق الأرض ومغاربها... نعم... المشارق والمغارب بدون مبالغة فمثلما وطئت أقدام القائد اليماني عبد الرحمن الغافقي أرض فرنسا عبر الأندلس فاتحا غربا وصل اليمانيون إلى أقاصي آسيا داعين شرقا ، ناشرين ومبشرين بدين الله لما عرفوا عنه من إيمان ولما حبا الله اليمانيين من قدرة على التكيف في المجتمعات التي هاجروا إليها حيث ضربوا بأخلاقهم ومعاملاتهم وبحكمة نماذج مشرفة للمسلم الحق الأمر الذي دفع أهل البلدان التي هاجروا إليها إلى اعتناق الإسلام ، ويوجد العديد من اليمانيين الذين تبؤوا أعلى المناصب في البلدان التي هاجروا إليها سواء في آسيا كإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة أو في أفريقيا كالحبشة وتنزانيا ومدغشقر كل ذلك بالكلمة الطيبة والموعظة والقدوة الحسنه .
نعود إلى ارض اليمن التي أصبحت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا تشع بالإسلام حوت بين جنباتها جميع المذاهب الإسلامية التي اعتنقها اليمانيون جنبا الى جنب بروحانية ومحبه وتعايش يعبدون ربا واحدا ويتوجهون نحو قبلة واحدة , لم تشهد اليمن تلك التمايزات الطائفية التي ظهرت في البلدان الإسلامية بحدة منكره إذ عاش الزيدي والشافعي والصوفي والسلفي على أرض اليمن بدون أي تصادم وفق منهج إسلامي يمثل سماحة الإسلام بعيدا عن التطرف والعنف وإثارة الخلافات ولم يخل التاريخ من حوادث شاذة بالطبع لكن اي نظرة متفحصة الى تلك الحوادث تجد وبوضوح ان العامل الخارجي هو السبب وتظل الفطرة اليمانية دائما هي المنتصرة.
في زمننا المعاصر نجد كيف استطاع اليمانيون بنفس الحكمة التي شهد لهم رسول الله بها قبل مئات السنين أن يتخلصوا من استعمار أجنبي جثم على بلادهم لما يزيد عن مائة عام في جنوب البلاد ومن كهنوت إمامي عزل اليمن عن القرن العشرين في شماله ببسالة منقطعة النظير آمن اليمانيون خلال نضالهم لهذا الغرض بعدالة قضيتهم وثقتهم بالنصر رغم انعدام أسبابه ليتم تتويج ذلك بالثورتين المباركتين في سبتمبر وأكتوبر.
صحيح أن هناك أحداثا مؤسفة شهدها اليمن بعد قيام ثورتيه نتيجة لعدة عوامل من بينها الصراع بين الثوار واعتناق الفكر الماركسي الذي جعل أصدقاء الأمس يذبحون بعضهم بعضا وأيضا من دعم خارجي ليصبح اليمن ساحة لتصفية الخلافات العربية العربية في الستينات من القرن الماضي إلى الانقلابات المتعددة في السبعينات وكل تلك الأحداث وإن كانت أحداثا مؤسفة ومظلمة في تاريخ اليمن كما هي عادة البلدان لا تستقر إلا بعد هيجان وتوتر غير ان الحكمة اليمانية والمعدن الأصيل لليمانيين يأبى إلا إن يعود ليشكل للعالم العربي والإسلامي أنجح تجربة وحدوية شهدها التاريخ المعاصر بإعلان الوحدة اليمنية في مايو 1990م , نعم فعلوها مرة أخرى صدقت يا رسول الله "الحكمة يمانية " فتحت ظروف دولية معقده وتوتر إقليمي محتقن استطاع اليمانيون أن يعيدوا لحمة بلدهم ويجمعوا شمله تحت راية واحدة متحدين وموحدين في وقت كان العالم يتجه باتجاه النظام الأوحد بعد زوال القطب السوفيتي وبداية عصر الإمبراطورية الأمريكية التي ترى في تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ سياسة كونية لها فكانت الوحدة اليمنية بين شطري اليمن بمثابة سباحة ضد طوفان لا يمكن التغلب عليه إلا بإرادة الله وهي التي انتصرت في النهاية .
في عام 1994م تمكن اليمانيون بالحكمة والإيمان معا أن ينتصروا لوحدتهم ويحفظوا شمل بلدهم ضد دعاة الفرقة والانفصال الذين لم يفهموا حقيقة حكمة اليمانيين وإيمانهم عندما حاولوا شطر اليمن وكأنهم يريدوا للتاريخ ان يرجع الى الوراء ورغم أنهم اعتمدوا على دعم خارجي لا محدود إلا ان السواعد اليمانية وبالامكانات المتوفرة تغلبت على دعاة الانفصال ليصدر قرار حكيم جدا بالعفو العام بعد ذلك والذي طوي به ملف الحرب ليعود من أرغموا على الاشتراك في الانفصال إلى حضن الوطن الأم مواطنين صالحين وهم يطوون صفحة سوداء من تاريخ اليمن بفعل قرار حكيم متبصر للمستقبل .
مرة أخرى وعقب خروج اليمن من أتون حرب الانفصال مثقلا بهموم اقتصادية وإصلاحات سياسية كبرى يفاجأ العالم بالقوات الأريتيرية تحتل جزر حنيش اليمنية في البحر الأحمر في عمل عسكري أرعن كان سيدخل المنطقة في توتر إضافي كان العالم في غنى عنه , وكانت اليمن تستطيع بقوة حقها التاريخي والجغرافي وبإيمان أهلها بعدالة قضيتهم أن ترد على العدوان عسكريا لكن ذلك كان سيدخل اليمن في نفق لم يكن أحد سوى الله يعلم كيف ستخرج منه لكن بدلا عن ذلك أذهل رد الفعل اليمني العالم فبعد أن تلقت اليمن الصدمة استطاعت ضبط ردة فعلها بحكمة غير مسبوقة في التاريخ العربي (الذي يحفل بردات الفعل الغير مدروسة ) عندما أعلنت قبولها بالتحكيم الدولي مع أرتيريا لإثبات حقها في الجزر ورغم اتهام بعض الأطراف الداخلية نتيجة للمماحكات السياسية للقيادة اليمنية بالتهاون في الرد على العدوان إلا ان نتيجة التحكيم الباهرة لصالح اليمن بعد ثلاث سنوات من العدوان أسكتت كل أصوات الحرب اللا مسئولة وأعيدت الجزر لأصحابها الحقيقيين بحكمة جنبت اليمن إراقة أي قطرة دم كان من الممكن صونها.
وتتواصل الأمثلة اليمانية المترعة بالحكمة وضرب الأمثلة المشرفة فعلى صعيد الديمقراطية والانتخابات جرت أول انتخابات نيابية حره في عام 1993م تلتها انتخابات أخرى عام 1997م ثم 2003م وجرت أول انتخابات رئاسية عام 1999م تلتها انتخابات 2006م والتي كانت أول منافسة ديمقراطية حقيقية على من يحكم اليمن , بالإضافة إلى انتخابات المجالس المحلية لعام 2001م وعام 2006م في إطار اللامركزية الإدارية، كل هذا الحراك الديمقراطي كان نابعا من توجه داخلي يمني لم يكن يلزم القادة اليمنيين أي شئ لاستحداثه وخوض غماره في محيط إقليمي لا تزال الديمقراطية فيه تحبو على استحياء , فقد كان هذا التوجه الديمقراطي قبل أحداث 11 من سبتمبر2001م والتي أصبح بعدها فرض الديمقراطية من الخارج هو الهاجس الذي يقض مضاجع الحكام .. نعم أدرك اليمنيون ذلك قبل 11 سبتمبر 2001م ومرة أخرى ( يدرك اليمنيون بفطرتهم وحكمتهم ما لا يدركه غيرهم إلا مرغمين).
وإذا تكلمنا أهل اليمن فلا بد من ذكر حفيدات بلقيس وأروى بنت أحمد الصليحي وذكر حصتهن من الإيمان والحكمة فقد توج ذلك بوصول المرأة في اليمن إلى درجات مرموقة فإذا كانت ولية الأمر في التاريخ القديم فقد وصلت إلى أن أصبحت نائبة في البرلمان ووزيرة وسفيرة وقاضية في وقت تحتاج فيه المرأة في بعض الدول العربية إلى فتوى دينية لا لأن تتنسم أعلى المناصب ولكن لتقود السيارة ويضرب اليمانيون مثلا آخر لا يخلو من الحكمة مؤداه ( أن التطور الفكري لا يقاس دائما بالتطور المادي ).
عندما ننظر إلى العالم المتصارع اليوم نجد أن العالم منقسم على نفسه فمن محاور الشر والخير إلى مفهوم الدول المعتدلة والمتطرفة إلى الدول المناطحة والمنبطحة إلى تقسيمات عديدة يصعب على أي دولة تخوض غمار السياسة أن توازن بين مصالحها ومبادئها وإذا حاولنا أن نرى موقع اليمن في هذا الخضم نجد أن الحكمة تبرز من جديد يمانية وتفسير ذلك فإنه يصعب على أي محلل أن يصنف اليمن ضمن التصنيفات السابقة حيث تحافظ اليمن ببراعة على الموازنة بين مبادئها الوطنية والدينية والقومية والأخلاقية في مقابل مصالح ومتطلبات وضغوط لا ترحم تقوم على الواقع والإمكانيات الداخلية وتفرضها المتطلبات الدولية التي يدفعها النظام العالمي الجديد، فبالرغم من أن اليمن ما انفكت تعلن عن مواقفها القومية والعروبية تجاه العراق وعدم شرعية احتلاله وفلسطين ودعم مقاومتها أمام الاحتلال والضغوط على سوريا ورفضها وغيرها إلا أن اليمن في نفس الوقت تحتفظ بعلاقات مميزة مع الولايات المتحدة بل وتدفعها على دعم خططها التنموية وهكذا وبكل حكمة تواصل اليمن مسك العصا من المنتصف وتحافظ على شعرة معاوية مع الجميع وهذا ما يسمى في علم السياسة بالمسايسة وما نسميه نحن "بالحكمة اليمانية".
نصل إلى ملف ساخن وهو الأحداث الأليمة في محافظة صعدة ورغم أن الأحداث لا تزال جارية هناك وتؤثر على استقرار الوطن وتنميته إلا أن اليمنيين وكما تجاوزوا محنا أشد فتكا وتأثيرا على الوطن على مر التاريخ هم قادرون على تجاوز هذه المحنة بحكمة وصبر , وقد يتساءل أحدهم قائلا وهو أين الحكمة في موضوع كهذا والقتال دائر ونزف الدماء يجري لكن الإجابة هي أن الحكمة قد تستدعي بل وتستوجب الشدة أحيانا , فقضية الحوثي هي ليست قضية دينية أو مذهبية وإسباغ هذه الصفة عليها تؤثر في النظرة التاريخية لليمن التي لم ولن تعاني من توتر ديني أو مذهبي كما أسلفنا ولكن الحقيقة هي أن الدولة وبعد استنفاذ جميع الوسائل السلمية تواجه تمردا غير شرعيا مهما كانت مطالبه قام برفع السلاح في وجه الدولة مما استوجب ردعه بكافة الوسائل بما فيها العسكرية وإن كانت هناك وسائل كثيرة يجب أن تتبع الحل العسكري وحل الموضوع جذريا بحكمة وروية كما هو ديدن اليمنيين دائما.
ختاما نرى من كل ما سبق أن التكريم الرباني لليمن جاء من معطيات تاريخية وجغرافية وإنسانية سامية جعلت اسم اليمن مقترنا بالحكمة والإيمان وإذا كانت اليمن قد حازت على هذا الشرف بمنحة ربانية فإن اليمانيين مطالبون بالحفاظ عليه وضرب أروع الأمثلة لتطبيقه بأيديهم حيث أن المستقبل أمامهم والتاريخ لا يرحم.
( لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِم آيةٌ جَنَّتاَنِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُم واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.