عادة ما يرتبط الاحتفال والسرور بالأمور الطيبة التي تعود بالخير على الوطن والمواطنين هذا عند الأسوياء من الناس، لأن هذا ما جُبلت عليه النفس البشرية السوية، غير أن ما حدث من بلاء كبير ألم بالجمهورية اليمنية في الفاتح من رجب 1432ه الموافق ال3 من يونيو 2011م، وتمثّل في إعتداء جمع خمس محرمات في مكان واحد ،أولها استباحة النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، وثانيها الخروج بالسلاح على ولي أمر المسلمين، وثالثها التعدي على حرمة دور العبادة والمتمثل بقصف مسجد النهدين، ورابعها قتل ضيوف الرحمن في بيته وهم يؤدون شعيرة صلاة الجمعة بل وهم ساجدون، وخامسها انتهاك حرمة شهر رجب الحرام الذي كان معظما حتى في الجاهلية الأولى، والأدهى من ذلك انه حصل في أول يوم منه مما يؤكد الإصرار على ارتكاب القتل الحرام للنفس الحرام في المكان الحرام والشهر الحرام . لعل كل تلك المحرمات التي حدثت في يوم واحد تعد بلاء وأي بلاء كونها استهدفت ولي أمر المسلمين وقادة أمرهم سواء افلح الهجوم أو اخطأ هدفه فالحال سيان، وإن كانت تلك فاجعة فإن الفاجعة التي لا تقل شأنا عنها هي فجيعتنا في إخوتنا بساحات التغيير، هؤلاء الذين خرجوا منادين بالتغيير السلمي فإذا بهم يحتفلون بعكس غاياتهم التي خرجوا من اجل تحقيقها، كان أمرا مخزياً وعاراً أصاب فئة من أهلنا فرحا لمحاولة اغتيال ولي أمرهم وإخوة لهم في الدين والدم واللغة والنسب . من قال إن هذه هي شيم الطامحين للتغيير فقد جانب الصواب، وحاد عن الجادة، واشترك في الجريمة من حيث لم يدر، نعم صار شريكاً لأنه لم يدنها ولم يستنكرها لما رافقها من دواعٍ كثيرة اقلها إشعال فتيل الاقتتال، لأن المنفذ كان ينوي أن يستثير ولاة الأمر عليكم انتم أيها الشباب فيكون رده عليكم فظيعا ليستأثروا هم بالمغنم، ويضيع دمكم هم يقولون بين القبائل، لكن رد ولي الأمر أخزاهم كما أخزاهم الله بفشل إجرامهم، فقد برأكم ولي الأمر مما حصل لأنه يعرف أنكم ما خرجتم مقاتلين ولا ناهبين ولكنكم خرجتم مطالبين بأمور -هي من حقكم قبل أن يركب موجتكم من يري أن يغيّر وجهتكم ويشوه مقصّدكم ويفوز هو بكل شيء في حين لا تلقون انتم من ذلكم شيئاً ويبدو أن ذلك قد بدأ يتحقق فالأحزاب هي من تفاوض وهي من ستجني الثمار، إلا إذا أقررتم أنكم جميعاً تابعون لتلك الأحزاب فحينها سيُقال لكم أن ذلك ليس تغييراً وإنما انقلاباً على الشرعية الدستورية كون الأحزاب ينبغي ألا تستلم السلطة إلا عبر بوابة الانتخابات وهذا هو العقد الذي بينها وبين السلطة والحكم هو الدستور . لم يقر احد ما جرى في جمعة الكرامة وكنت قد كتبت حينها - بأي ذنب قتلوا – ولم يقر ولي الأمر ذاته ما جرى في ذلك اليوم الذي لا يقل شؤماً عن يوم الجمعة بل كلا الجرمين حدث في يوم الجمعة، ولأن دماءكم لها حرمة كحرمة دماء من قتلوا في مسجد النهدين وفي تعز والحديدة وأبين وجميع الساحات والميادين، فالكل يحمل نفس صفات النفس البشرية التي حرم الله قتلها إلا بالحق، فكيف لكم تبيحون الاحتفال بقتل إخوة لكم وتريدون الآخرين يشاركونكم الحزن في مقتل إخوتكم، إنها من المفارقات العجيبة والغريبة . إن حزننا على إصابة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح كبير لأمور شتى، بالإضافة إلى انه إنسان له حرمة كالآخرين، فإنه كذلك يتميز بكونه ولي أمر المسلمين وان كان في نظر البعض لم يؤد ما عليه من واجبات، إلا أن ذلك لا ينفي بقاء الطاعة له إلى إن يأتي غيره لولاية الأمر من بعده، هذا إذا كان الإجماع على ذلك، فما بالنا والأخ الرئيس له من المؤيدين والمناصرين كما له من المعارضين، وإذا ما كان التغيير المنشود يتركز فقط في شخصه فهو أمر شخصي بحت لا علاقة للشباب الطاهر الذي نادى بتغيير كل شيء من فساد السلطة إلى جبروت القبيلة وتسلط العسكر ونهب التجار، فكل اؤلئك من خرج عليهم الشباب لا فرد بعينه، فالبلاد يتحكم فيها كل هؤلاء، وهم فعلاً من يجب أن نغيرهم جميعاً لنلق مجتمعاً مغايراً للسابق. ومن ما جرى ينبغي أن لا تأخذنا العزة بالإثم ونشمت في ولي أمرنا وبقية إخوتنا بل وبوطننا كله، لأن من أعلنوا فرحتهم بقصف بيت الله وموت المسلمين فيه باؤوا بسخط العديد من المسلمين في مختلف البلدان لأن مثل هذا الفعل الشامت اظهر بأن التغيير المنشود مبنيٌ فقط على الحقد والتشفي لا على مرتكزات واضحة المعالم، كما أدنّا كل قطرة يمنية تسيل على تراب وطننا الحبيب فإننا ندين ما تعرض له الأخ الرئيس متمنين له الشفاء ولمن كانوا معه ونترحم على أرواح جميع اليمنيين أينما سقطوا داعين العلي القدير أن يتغمدهم في الشهداء وان يلهم أهلهم الصبر والسلوان . بالمقابل فإن الاحتفال بشفاء الأخ الرئيس لا يمكن أن يكون له حدود في نفوس محبيه الذين تأثروا بما حدث في مسجد النهدين بدار الرئاسة، وما الذي اظهروا مساء الأربعاء من ابتهاج عمّ معظم المحافظات إلا دليل على ذلك من خلال الألعاب النارية التي أضاءت ليل العاصمة وبقية المحافظات، ونحن هنا لا نحرم الناس فرحتهم ولكن ينبغي ألا تخرج تلك الفرحة عن إطارها لتتحول لحزن عند البعض الآخر من خلال إطلاق الأعيرة النارية في الهواء وما قد يسببه أو سببه الراجع من خطر على حياة المواطنين، فالاحتفال بهذه الطريقة أمر غير مقبول إذا كان ذلك سيهدد حياة البعض للخطر، فالسلامة هي المبدأ الأساسي الذي يجب أن يراعيه المحتفلون، لاسيما في الفرحة الكبرى عند عودة الأخ الرئيس بحفظ الله وسلامته لأرض الوطن. عندما جرى ما جرى في جمعة الكرامة سارعت السفارات اليمنية في مختلف الدول في الإدانة ولهم الحق في ذلك لروع ما حصل، ولكن السؤال المُحير هو لماذا لم تقم تلك السفارات بنفس ردة الفعل لِما جرى للأخ الرئيس وكبار رجالات الحكومة، مع أن الأمر لا يقل فظاعة، كنت أتمنى ان يكون الدم فقط هو من يثير المشاعر لا الهوية، فالحسابات – مع وضد – هي من جعلت الكثير يحجمون على إدانة ما حدث، مع أنهم لو فعلوا ذلك لنالوا احترام الجميع كونهم أولا وأخيرا يدينون قتل النفس المحرمة سواء لرئيس أو مرؤوس . (*) باحث دكتوراه بالجزائر [email protected]