الزائر لمدينة تعز اليوم يهوله الحال الذي آلت إليه هذه المدينة الحالمة الرائعة بتضاريسها الجيولوجية التي تجعل منها مدينة من أجمل المدن اليمنية على الإطلاق وبشهادة كل زوارها من خارج اليمن، فهي مدينة النجوم المتلألئة كما وصفها نجم الكوميديا العربية دريد لحام في سبعينيات القرن الماضي، عندما ظن لبرهة وهو يشاهد بعض أنوار المنازل الرابضة على قمة جبل صبر بأنها نجوم شديدة التوهج ليتفاجأ بحقيقة كونها بيوتاً أشبه بالنجوم المعلقة في كبد السماء. المدينة الحالمة حباها الله تضاريس طبيعية وتاريخية تكفل لها أن تتربع على قمة المدن اليمنية إن لم تكن العربية أيضاً،والى جانب ذلك يقطنها أناس يمثلون خيرة الطبقة المثقفة المتعلمة، حتى أن الجميع يعدها رمز المدنية وبذرة المجتمع المدني في اليمن،فمنها يخرج المثقفون والسياسيون والأكاديميون والتجار والاقتصاديون ورجال الدين وبسواعد أبنائها المنتشرين في مختلف المحافظات شيدت كل المنجزات العملاقة في هذا الوطن. تعز مدينة السلام والأمان باتت اليوم مدينة للخوف وعدم الاستقرار يؤرق صمت لياليها الحالمة أصوات الرصاص وقذائف المدفعية التي تسمع هنا وهناك نتيجة الأفعال غير المسئولة لبعض الخارجين عن النظام والقانون، المدافعين كما يقولون عن ربيع حريتها المفقود في زمن الثورات الموجهة وأي ثورات هذه التي تقطع الطرقات وتعتدي علي المؤسسات وتعيث في الأرض الفساد، ليصل الحال إلى خطف حتى سيارات القمامة، ولا ندري بأي حجة وبأي ذنب سوى أنها تتبع الحكومة وأي شيء يتبع الحكومة أصبح مباحاً نهبه وتدميره متناسين أنه ملكاً للشعب وليس ملكاً لشخص أو جهة خاصة. يا عقلاء تعز ما تحتاجه تعز اليوم ليس العنف والدمار وإظهار العين الحمراء كما يرى البعض ويدعو له، لأنه يكفينا العين الحمراء لبيت الأحمر في الحصبة وما خلفته من دمار وأضرار بالممتلكات العامة والخاصة، فالمسألة لم تعد تقاس بالقوة المادية على الأرض، وتوجيه الرسائل للطرف الآخر إن أبناء تعز أقوياء وقادرون على الإفساد والتخريب لأنهم لا يحتاجون إلى ذلك فهم معروفون منذ القدم بأدوارهم البطولية النضالية سواء في ثورتي سبتمبر وأكتوبر أم في حرب الدفاع عن الوحدة في 94 . تعز اليوم بحاجة للتمسك بمدنيتها وحركتها السلمية التي يضرب بها الأمثال ليس على المستوى الداخلي فقط وإنما على المستوى الخارجي كما تنشره القنوات الفضائية وكل وسائل الإعلام، تعز ليست بحاجة لتشويه وجهها الحضاري المدني وتشويه ثورتها السلمية المطالبة بالتغيير والتصحيح، تعز بحاجة اليوم إلى الهدوء والاستقرار وعودة الحياة اليومية إلى طبيعتها، تعز بحاجة إلى لغة هادئة للحوار وليس إلى إشهار البنادق والتلويح باستخدام السلاح. على أبناء تعز نبذ كل مظاهر العنف والتصعيد المسلح الذي يشوّه وجه المدينة الحضاري والحفاظ على مكتسبات المدينة التي هي ملك لكل أبنائها، وليس أدعى لذلك ما تعيشه الكثير من أحياء المدنية من تكدس للقمامة، حتى أصبحت أشبه بمقلب قمامة كبير وما يمكن أن يخلفه ذلك من تلوث بيئي وصحي خطير على السكان، بعد أن توقفت أعمال النظافة لأيام مضت بفعل توتر الوضع الأمني، أضف إلى ذلك ما تعيشه المدينة من أزمة خانقة في المشتقات النفطية، الأمر الذي يهدد بشلل قاتل للحياة اليومية الذي سيكون ضحيته المواطن المغلوب على أمره.