منذ أن فتحنا الباب على مصراعيه للديمقراطية والتعددية الحزبية بإعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة في 22 مايو 90م.. يومها أعلنا للعالم أجمع أننا شعب ديمقراطي تفلت من أغلال الشمولية وهيمنة الحزب الواحد إلى فضاء الحرية والتعددية السياسية والحزبية وحرية الرأي والتعبير، وقلنا وبصوت عالٍ إن التحزب في اليمن لم يعد جرماً يعاقب عليه وأصبح الانتماء الحزبي عملاً مشروعاً ومتاحاً أمام جميع المواطنين رجالاً ونساء ومن حقهم أن يختاروا من الأحزاب ماتهواه أنفسهم ويتناسب مع توجهاتهم ومايعتقدون أنه الأقرب إلى أفكارهم ورؤاهم والملبي لتطلعاتهم المنشودة.. ومنذ ذلك التاريخ المشرق بدأت الأحزاب السياسية تعرض بضاعتها الديمقراطية على زبائنها من المواطنين الراغبين بالحزبية وممارسة السياسة بكل شفافية ودون أي قيود، والمواطن اليمني رجلاً كان أم امرأة كامل الحرية في أن يختار ويقرر أين يكون وإلى أي حزب ينتمي. ورغم الفترة الزمنية القصيرة لميلاد الديمقراطية إلا أننا حققنا رقماً قياسياً بعدد الأحزاب المعترف بها بموجب القانون الخاص بتأسيس الأحزاب السياسية، حيث بلغ عدد الأحزاب المصرح لها كأحزاب رسمية مستوفية كافة الشروط المحددة بالقانون حوالي «33» حزباً سياسياً يتنافسون على السلطة في وطن واحد اسمه الجمهورية اليمنية. ولأننا حديثو عهد بالديمقراطية فقد اعتقدنا حينذاك أن هذا العدد من الأحزاب دليل على رواج هذه البضاعة الديمقراطية وأن إقبال المواطنين عليها وبهذا الشغف الكبير لدرجة أن الواحد منهم ينتمي لثلاثة أو أربعة أحزاب في وقت واحد هو نتاج وعي بأهمية المشاركة الديمقراطية وتوسيع قاعدتها الشعبية ومن جانب آخر منعاً للاحتكار وحتى لاتختزل الحزبية بحزبين أو ثلاثة, فكثرة الأحزاب وتعدد اتجاهاتها ضرورة ديمقراطية مادام الجميع سيعملون وفق القانون والدستور وسيتنافسون من أجل اليمن ومستقبل أجياله والحمدلله وعلى عين الحسود تكتظ الساحة اليمنية بكم من الأحزاب من مختلف الاتجاهات.. يسارية ويمينية ودينية وقومية ومذهبية ومنها الوسطية أيضاً ونتوقع ميلاد عدد من الأحزاب خلال الفترة القادمة. واستبشرنا خيراً أن جميع هذه الأحزاب ترفع شعار «من أجل الوطن ومصالحه العليا والمواطن وأحلامه وتطلعاته ومستقبله، نحن وجدنا لنعمل معاً».. وأعجبتني عبارة سمعتها من قادة عدد من الأحزاب «لكل منا حزبه واليمن للجميع» كما أن أدبياتهم وبرامجهم السياسية متخمة بعبارات حب الوطن والولاء الوطني والوحدة الوطنية, وتدعو بضرورة الحفاظ على النظام الجمهوري وعلى منجزات الثورة والوحدة, وتؤكد التمسك بالنهج الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، وجميع هذه الأحزاب دون استثناء ترفض العنف والفوضى والتعصب والتطرف بكل صوره وأشكاله.. وهي أيضاً تحرِّم الطائفية والمناطقية وتمقت الإرهاب وتجرِّم كل من تعامل به أو دعا إليه أو ساند أو تعاون أو تستر على إرهابيين.. والأهم من هذا كله أن جميع الأحزاب في اليمن الحاكم والمعارضة ومابينهما يؤمنون حد اليقين بالحوار الوطني الجاد والمسؤول وسيلة وحيدة لتسوية كافة الخلافات، فالوطن ومصالحه ووحدته وأمنه واستقراره وسلمه الاجتماعي من أقدس الثوابت التي يجمعون عليها ولايمكن التفريط فيها أو التنازل عنها مهما كانت الظروف والدوافع والمغريات.. ولاأقول هذا من مخيلتي ولكنه حقيقة ثابتة ومدونة في كل اللوائح والأنظمة الأساسية للأحزاب وفي برامجهم السياسية وكل الوثائق والأدبيات، كما أننا نسمعها ومنذ سنوات في كل التصريحات التي يدلي بها قادة الأحزاب ونقرأها أيضاً ومنذ سنوات في صحفهم الحزبية فلم الخوف على اليمن من الأحزاب وقادتهم وأعضاؤهم بهذا الوعي والمسؤولية ويتمتعون بالروح الوطنية والولاء الوطني الذي لايتحول ولايتبدل ولايتزعزع؟.. فالوطن مصان ولاخوف عليه من التمزق والضياع. ولكن ولأن السياسة كما يعرفها أصحابها هي أن تقول شيئاً وتعني شيئاً آخر، فإننا لم نعد نصدق مانسمعه من أقوال السادة قادة الأحزاب السياسية في اليمن وكل من يدور في فلكهم من إعلاميين ومثقفين وعلماء دين.. لأن واقعنا المر ومانعانيه على يد هؤلاء المتمترسين خلف مطامعهم وأهوائهم الشخصية والحزبية يكذب كل مايدعون ويثبت بما لايدع مجالاً للشك أن الوطن ومصالحه وأمنه واستقراره والمواطن وأحلامه وطموحاته ومستقبله.. لامكان لهم في أجندة هؤلاء المتناحرين المتقاتلين على السلطة ولو كان الثمن جماجم وأشلاء الملايين من أبناء الوطن. ومايجري اليوم قد أماط اللثام أكثر عن خفايا وأسرار لم نكن نعلمها وكشف لنا نحن المغرر بهم حجم الزيف والخداع والتضليل الذي يمارس علينا منذ سنوات من قبل الأحزاب والجماعات ومن قبل شخصيات دينية وسياسية وإعلامية وقبلية كنا نحسبهم وطنيين مخلصين لوطنهم وشعبهم واكتشفنا بعد مرور هذه السنوات أن اعتقادنا كان خاطئاً وأننا لازلنا نبعد سنوات ضوئية عن الديمقراطية الحقيقية. وعرفنا أن أحزابنا السياسية غير مؤهلة عملياً لممارسة الديمقراطية كما يجب وحتى اللحظة لازال الإخوان المسلمين غير مقتنعين بهذه الديمقراطية وغير راضين بدولة مدنية حديثة قائمة على التعددية السياسية ومبادىء الديمقراطية. والأهم من هذا أننا عرفنا أن كثرة الأحزاب السياسية لايعني أننا شعب ديمقراطي يعي معنى الديمقراطية ويمارسها قولاً وعملاً.. لأن الديمقراطية تبني ولاتهدم وتوحد ولاتفرق. وخلاصة القول إذا كثرت الأحزاب ضاعت الديمقراطية.. وتشتت الشعب ودُمّر الوطن. فياهؤلاء.. خذوا ديمقراطيتكم وأحزابكم وأعيدوا السلام للوطن. وكل عام وأنتم والوطن اليمني بألف خير، ورمضان كريم.