نقابة الصحفيين اليمنيين تطلق تقرير حول وضع الحريات الصحفية وتكشف حجم انتهاكات السلطات خلال 10 سنوات    استمرار انهيار خدمة الكهرباء يعمّق معاناة المواطنين في ذروة الصيف في عدن    3 عمليات خلال ساعات.. لا مكان آمن للصهاينة    فعاليات للهيئة النسائية في حجة بذكرى الصرخة ووقفات تضامنية مع غزة    - اعلامية يمنية تكشف عن قصة رجل تزوج باختين خلال شهرين ولم يطلق احدهما    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    شاب يمني يدخل موسوعة غينيس للمرة الرابعة ويواصل تحطيم الأرقام القياسية في فن التوازن    بدعم كويتي وتنفيذ "التواصل للتنمية الإنسانية".. تدشين توزيع 100 حراثة يدوية لصغار المزارعين في سقطرى    قرار جمهوري بتعيين سالم بن بريك رئيساً لمجلس الوزراء خلفا لبن مبارك    غرفة تجارة أمانة العاصمة تُنشئ قطاعا للإعلان والتسويق    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    إنتر ميلان يعلن طبيعة إصابة مارتينيز قبل موقعة برشلونة    منتخب الحديدة (ب) يتوج بلقب بطولة الجمهورية للكرة الطائرة الشاطئية لمنتخبات المحافظات    أزمة اقتصادية بمناطق المرتزقة.. والمطاعم بحضرموت تبدأ البيع بالريال السعودي    عدوان أمريكي يستهدف محافظتي مأرب والحديدة    وزير الخارجية يلتقي رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر    تدشين التنسيق والقبول بكليات المجتمع والمعاهد الفنية والتقنية الحكومية والأهلية للعام الجامعي 1447ه    وفاة عضو مجلس الشورى عبد الله المجاهد    اجتماع برئاسة الرباعي يناقش الإجراءات التنفيذية لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية    الطيران الصهيوني يستبيح كامل سوريا    مصر.. اكتشافات أثرية في سيناء تظهر أسرار حصون الشرق العسكرية    اليمن حاضرة في معرض مسقط للكتاب والبروفيسور الترب يؤكد: هيبة السلاح الأمريكي أصبحت من الماضي    قرار بحظر صادرات النفط الخام الأمريكي    أزمة جديدة تواجه ريال مدريد في ضم أرنولد وليفربول يضع شرطين لانتقاله مبكرا    الحقيقة لا غير    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    أسوأ الأطعمة لوجبة الفطور    سيراليون تسجل أكثر من ألف حالة إصابة بجدري القردة    - رئيسةأطباء بلاحدود الفرنسية تصل صنعاء وتلتقي بوزيري الخارجية والصحة واتفاق على ازالة العوائق لها!،    الفرعون الصهيوأمريكي والفيتو على القرآن    الجنوب يُنهش حتى العظم.. وعدن تلفظ أنفاسها الأخيرة    مليشيا الحوثي تتكبد خسائر فادحة في الجفرة جنوب مأرب    إعلان عدن التاريخي.. نقطة تحول في مسار الجنوب التحرري    المستشار سالم.. قائد عتيد قادم من زمن الجسارات    استشهاد نجل مستشار قائد محور تعز العميد عبده فرحان سالم في مواجهات مع المليشيا    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 3 مايو/آيار2025    الأرصاد يتوقع استمرار هطول الامطار ويحذر من التواجد في بطون الأودية    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    عدوان مستمر على غزة والاحتلال بنشر عصابات لسرقة ما تبقى من طعام لتعميق المجاعة    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    خلال 90 دقيقة.. بين الأهلي وتحقيق "الحلم الآسيوي" عقبة كاواساكي الياباني    الهلال السعودي يقيل جيسوس ويكلف محمد الشلهوب مدرباً للفريق    اللجنة السعودية المنظمة لكأس آسيا 2027 تجتمع بحضور سلمان بن إبراهيم    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    صحيفة: أزمة الخدمات تعجّل نهاية التعايش بين حكومة بن مبارك والانتقالي    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأبوية السياسية أجيال في خدمة النُخَب !!
نشر في الجمهورية يوم 07 - 06 - 2010

في الحياة السياسية,عامة، الحزبية,خاصة،يمكن تلخيص الحالة اليمنية الخاصة كما يلي:
- المرأة إما ممنوعة، أو مقموعة
- الشباب إما مقصيِّون، أو “مخصيُّون”-( ليس بالمعنى الفسيولوجي)-
وبقي بضعة كهول، هم (كل شيء) ، والنتيجة الوحيدة، التي نحصل عليها في هذه الحالة هي (لا شيء) .
ويمنياً، أيضاً، لا أحد ينظر إلى هذه الحالة على أنها مفارقة أو تناقض من أي نوع، حيث إنه يقال على نطاق واسع، وحزبياً بدرجة رئيسة: (إن الشباب هم بناة الحاضر وقوة التغيير)، ثم لا نجد شاباً واحداً أوصلته الماكينة الحزبية إلى منصب القيادة- رئيساً أو أميناً عاماً لحزب أو تنظيم سياسي.
عشرون عاماً على التعددية الحزبية, والقيادات هي هي.. نفسها، مع الاعتراف بوجود استثناءات بسيطة في بعض الأحيان هنا أو هناك، ولكنها استثناءات تراوح مكانها وتنتقي البدائل من بين أفراد الصف القيادي الأول أو “جيل الآباء” وتداول المناصب بينهم، من دورة لأخرى. الاشتغال هنا على الوجوه والأسماء لا غير، ضمن مجموعة، ضيقة ومحددة سلفاً,وداخل هذه المجموعة، المتجانسة إلى حد بعيد يكاد يصل إلى التطابق بين أفرادها،وبما لا يسمح بظهور الفروق الفردية وبالتالي لا يسمح بظهور الجديد الحامل لمعاني التجديد، تُنتخب البدائل من حقبة لأخرى، ويكون هذا هو التجديد أو التغيير المرحب به حزبياً!
لكن التغيير والتجديد لا يغادر دائرة الأسماء والوجوه ليشتغل على مستوى الفئات النوعية والعمرية، هل لأن الأحزاب هي بنت واقعها السياسي الوطني,أم لأن الواقع السياسي المحلي هو وليد آليات وثقافة حزبية كرست الأبوية داخل أطرها وتكويناتها القيادية, فأفرزت واقعاً وطنياً يليق بها ومساوياً لها، لجهة تكريس الفرد الأوحد وإفراغ المحتوى الجماعي التعددي من محتواه الفعلي.
آلة كبح..
هذا النسق السائد والعقيم هو ما يجعل من الديمقراطية اليمنية,آلة كبح للديمقراطية وفرملة التغيير وإبقاء الأمور على ما هي عليه، برغم الصخب والتعب المبذول.. إلا أنه صخب ناتج عن جدل الأفراد لا الجماعات، وتحديداً الأفراد المتجانسين والأنداد المتشابهين.
شيء أشبه بمقولة “النقائض المتطابقة” في الفلسفة، حيث الاختلافات والفروق الجزئية لا تؤثر على النتيجة النهائية، بل إنها مطلوبة لإعطاء المركب نفسه والنتيجة نفسها في كل مرة.
الشباب هنا مكانهم في دكة الشهود- وغالباً دكة المشاهدين- وكذلك المرأة، هؤلاء أشبه بشاهد لا يستشهده أحد، فضلاً عن كونه شاهداً لا يرى شيئاً، إلا ما يُرى له وبالنيابة عنه.
لدينا آباء ينوبون عنا في كل شيء ويقومون عنا بالمهام كلها، حتى الشهادة,والتفكير,وأيضاً التعبير عن الامتنان للآباء الديمقراطيين الذين سمحوا لنا بمشاهدتهم يفوزون دائماً.التغيير هنا- حزبياً- هو نوع من التداول الثنائي أحياناً، بين فلان وفلان.. أما غالباً فهو تداول شخصي، بين الشخص ونفسه.. ينافس شخصه ويفوز بأغلبية مريحة، وخلال ذلك فإنه يخشى أن يسقط (..) ويستحيل “الاقتراع” إلى “قرعة (ملك، أم كتابة؟).
غياب الديمقراطية الداخلية
من المهم تذكر أن التعددية السياسية والحزبية هي تجربة حديثة نسبياً في اليمن، وهذا لا يلغي السابق أو يهمل الجذور والبذور الأولى للعمل الحزبي والنشاط السياسي المقترن بالنضال الوطني والعمل الثوري وما بعد تلك المرحلة.
أغلب الدراسات والبحوث العلمية في هذا المجال- يمنياً- على قلتها أو ندرتها، تناولت الظاهرة الحزبية بالتحليل والدراسة,بالنظر إلى قوة تأثيرها وفاعليتها ودرجة مساهمتها في الدفع بعملية التحول الديمقراطي في المجتمع، من خلال منظور عملي يتحرى رصد ومحاكمة الديمقراطية الداخلية في الأطر الحزبية والتنظيمية.
لأن هذا المعيار هو الأول الذي يمكِّن من معرفة وتقييم الظاهرة الحزبية، وما إذا كانت الأحزاب “مؤسسية” أم لا؟، ويتوقف على هذه القيمة معرفة درجة تطور الأحزاب ومدى تبلور العملية الديمقراطية كفعل مؤسسي ومنهج مستمر، وأيضاً مدى وحجم تحرك أو “دوران النخب” الحزبية,واعتماد آليات شفافة وديمقراطية تسمح بوصول الكفاءات الشابة والوجوه المتحمسة إلى الصفوف القيادية العليا.
معظم الدراسات التي تسنى لنا الإطلاع عليها ومقارنة ملخصاتها تخلص إلى تقرير نتيجة متقاربة مفادها أن “الأحزاب في مجملها تفتقر للديمقراطية الحزبية، وإن كانت الشعارات والمناشط الاحتفالية هي البارزة أكثر من بروز ممارسات ديمقراطية عميقة”.
هذا الحكم أو النتيجة تبنى أو هي بُنيت بالفعل، اعتماداً على معايير ومحددات رئيسة، أهمها على الإطلاق “تباطؤ دوران النخبة” داخل الحزب أو التنظيم السياسي”.
ويعني هذا جمود الحراك في القمة وتأبد النخبة الأولى، كما يعني فشل أو ممانعة النخبة الحزبية في السماح للطاقات الشابة والكوادر الجديدة في النهوض بمسئوليات القيادة والقرار.
الأبوية السياسية
يقودنا هذا التحليل إلى معطى آخر على قدر من الأهمية ,فغياب الديمقراطية الداخلية مرده حضور بعد ثقافي وسلوكي يمارس فعله في هذا الاتجاه.لأن أي حديث عن دور وعلاقة الشباب بالأحزاب، لا يستطيع أن يتجنب معيار الديمقراطية الداخلية أولاً.
ما نراه على الواقع ليس العمل الحزبي المؤسسي، فالشعارات والمناشط الاحتفالية والمهرجانات الصاخبة ليست هي التعددية ولا الديمقراطية، وأنا أركز هنا على الفعاليات الحزبية التي تموسم الاهتمام الناقص بالشباب وتعيد حصر وقصر دورهم ومشاركتهم في مجالات استخدامية ضيقة وانتهازية تبتز الشباب وتجندهم لهدف معين، قد يكون الانتخابات أو غيرها.
كل هذا مرده، بلغة علمية مبسطة ومركزة، غياب الديمقراطية الداخلية.
ولكن لماذا تغيب الديمقراطية الداخلية في الأحزاب والتنظيمات السياسية؟
السؤال يطرق مجالاً واسعاً، والإجابة عليه ليست بهذه السهولة، لكن دعونا نبسط الأمور بما لا يخل بالجوهر..
يمكننا مناقشة عوامل وأسباب كثيرة أدت إلى هذه الحالة من غياب الديمقراطية داخل الأحزاب، وكلها ستكون صائبة وصحيحة من زاوية خاصة,بقدر أو بآخر,وفي النهاية يجب أن تتفق الآراء جميعها على خلاصة عامة تستوعب الجميع، وهي بنظري تسيُّد “الأبوية السياسية والحزبية”, كانعكاس عملي لثقافة مجتمعية تكرس الأبوية في كل شيء، بدءاً من الأبوية العائلية وانتهاءً بالثقافة والسياسة و”العائلية الحزبية”.
أنموذج “القائد الفرد الملهم والأوحد” يسري من الحياة السياسية العامة,إلى الأحزاب والتنظيمات السياسية ,وحتى المؤسسات الأهلية (المجتمع المدني).
هناك دائماً القائد الأول,الأوحد,الملهم, والضرورة.والشباب دائماً هم أبناء وربما (أطفال) الآباء الذين يقومون بمصالح أبنائهم إلى ما لا نهاية.
تحولات..
لو عدنا بالذاكرة إلى بداية التجربة ومطلع التسعينيات من القرن الماضي، نتذكر أن الأحزاب أعطت اهتماماً مبرراً بالشباب، للاستقطاب والتنسيب الحزبي.كلنا مررنا بالتجربة وعايشناها لوقت يقصر أو يطول.
لكن مع الأيام انشغلت الأحزاب بتنافس الآباء، وانسحبت شيئاً فشيئاً إلى كواليس السجال السياسي,الذي لم يخل أبداً من الصفقات والتربيطات الخاصة, كل هذا جاء على حساب البناء المؤسسي وبلورة كيانات حزبية ديمقراطية متطورة لجهة الأنظمة والقوانين الداخلية.
تقريباً بقيت الأدبيات نفسها,مع إضافات طفيفة لترتيب وضع النخبة وليس لدمج القاعدة وتمكين الطاقات الشابة داخل أحزابها.
كان إقبال الشباب على الأحزاب في بدايتها محدوداً ومتأثراً بالأجواء السابقة والمعطيات الموروثة التي جرَّمت العمل الحزبي، ولكن مع السنوات والانفتاح المتزايد انخرط الشباب أكثر فأكثر في النقاشات العامة ومنها المجال السياسي .
وصل الشباب اليوم إلى قناعة بأهمية الكيانات الحزبية في الحياة اليومية والمجتمع الديمقراطي، لكن الأحزاب لم تتحل بهذه القناعة,كانت قد غادرت مهامها وواجباتها وابتعدت كثيراً عن القاعدة الكبيرة والمهمة.
شاخت الأحزاب، والطاقات الفتية فقدت الثقة والاقتناع بجدوى وأفضلية الكيانات الحزبية القائمة.. ويوفر المجتمع المدني والمجال الأهلي متنفساً بديلاً لهؤلاء، لكنه ليس البديل الأفضل حالاً من سابقه.
أحزاب المعارضة
كانت وربما لا تزال أحزاب المعارضة أكثر استقطاباً للشباب,كونها أكثر حرصاً على اكتساب مناصرين ومؤيدين مما هو عليه حزب السلطة.
تستطيع المعارضة أن تلهب حماس الشباب وتخاطب حاجاتهم الخاصة والداخلية، لكنها- والحق يقال- لم تفعل أكثر من ذلك,التركيز على الاستثارة الخاصة العاطفية المقترنة بحاجات الشباب ومعاناتهم والنقمة المتزايدة على الأوضاع السلبية السائدة،حيث وجدت الأعداد المتزايدة من الشباب نفسها ضحية فساد عام وصعوبات اقتصادية جمة صدمت التطلعات وساقت الجميع نحو إحباط متزايد ومتفاقم واليوم نفهم أن غياب,أيضاً,النقد الذاتي والداخلي أفقد الجميع فوائد جمة وكرس السائد.
المعارضة لم تشأ أن تستوعب هذه المشاعر بالطريقة المؤسسية بحيث توسع قاعدتها وتستوعب الشباب وتدمجهم في الأطر الداخلية والحياة الحزبية وبقيت مقتنعة بجدوى التجييش الجماهيري والمناسباتي في الانتخابات والفعاليات الاحتجاجية وفي المعارضة, يمتلك حزب ك«التجمع اليمني للإصلاح» أفضلية- نسبية- في استقطاب الشباب وإشراكهم في “الدعوة” الحزبية.
لأن الحزب العقائدي أو الديني يجد له قاعدة عريضة وبيئة ملائمة في مجتمعات محافظة وبيئة تقليدية كاليمن،زيادة على أن “الإصلاح”- كتنظيم سياسي يجمع بين الدعوة الدينية من جهة،وبين التحشيد السياسي من جهة ثانية.
وهو كعادة الأحزاب والجماعات السياسية الدينية يتميز بقدر عالٍ من الانضباط والتنظيم والمؤسسية ذات الطابع الخاص.
أظهر الإصلاح وجوهاً شابة أوصلها إلى الواجهة القيادية في البرلمان وغيره, ولكن النخبة القيادية داخل الحزب لم تشهد حراكاً ودوراناً لصالح الشباب، وكل ما يقال الآن,حول “صراع الأجيال” أو نهوض حركة “ليبرالية” شابة داخل الحزب تواجه مقاومة شديدة من جيل الآباء والحرس القديم، لم يتحول بعد إلى ظاهرة مرئية يمكن التخاطب معها.
أحزاب المعارضة الأخرى لها ظروفها وأوضاعها الخاصة، إنما لابد من الإشارة إلى الخسارة الكبيرة التي مُنيت بها الحياة السياسية اليمنية والظاهرة الديمقراطية عامة,خصوصاً شريحة الشباب,بفعل تراجع أو ضمور دور وحضور الحزب الاشتراكي اليمني للأسباب المعروفة، وقد كان يتمتع بقاعدة شابة أنموذجية وقدرة على الاستقطاب والحشد، ولا يتحمل الحزب لوحده المسئولية في ذلك، إلا بقدر ما سمح للظروف أن تنال منه.
ونفس الشيء-إلى حد ما- يمكن أن يقال عن الوحدوي الناصري ,والذي كان في وقت ما مهوى أفئدة شريحة واسعة من الشباب,خصوصاً المثقفين المتطلعين إلى واقع جديد على أنقاض القديم,والمتحمسين إلى اعتبار الوحدة اليمنية مكسباً قومياً, لكن الأحزاب القومية إجمالاً لم تكن قادرة أو حاضرة لاستثمار التأريخ أو للاستثمار فيه ,وما من شك هي الأخرى لها أسبابها وقد تعذر في جزء منها.الأمر متروك ل«أهل مكة» كما يقال, فهم أدرى بشعاب أحزابهم وأحوج منا إلى النقد والنقد الذاتي بدرجة رئيسة.
المؤتمر الشعبي
في الجهة المقابلة يحافظ حزب المؤتمر الشعبي العام,على صورته الكلاسيكية المتوارثة، كحزب أبوي من الطراز الأول.
المؤتمر لازال قابلاً أن يلعب دور الضحية السهلة لثقافته وشخصيته التقليدية, بوصفه “المرجعية” الأولى لجميع الأحزاب,حتى وقد انتهى ذلك العهد الشمولي, واستقل كل حزب وتنظيم بكيانه وذاته بعد الدخول في التعددية السياسية والحزبية، لكن المؤتمر مازال (الحزب الأب).
علاوة، أيضاً، على أنه يواصل دوره الأبوي المتراكم. فهو إذاً، الحزب الضرورة، الأب.. وخطابه اليومي يكرس هذه القناعات.
الأبوية السياسية تظهر أكثر وأقوى داخل المؤتمر الشعبي العام, و«الشباب» اسم لدائرة استحدثها المؤتمر في هيكل لجنته الدائمة, وكل ما تفعله هو تنظيم المهرجانات والاحتفالات العادية وحشد الشباب في مواسم الانتخابات، حتى القيادات المحلية لفروع التنظيم لا مجال للشباب فيها ولعلي أزيد بالقول أنه لا يوجد حزب في الساحة,يفعل ما يفعله المؤتمر ,في التفريط بكوادره الشابة ودفعهم خارج أسواره وصفوفه,إذا لم يتأقلم هؤلاء مع سياسة التدجين والمسخ لصالح الحرس القديم!
مفارقات..ودلالات
جميع الأحزاب التفتت إلى أهمية قطاع الشباب بالنظر- فقط- إلى الوظيفة السياسية والمكاسب الحزبية المحققة من ورائهم، لا يظهر الاهتمام الحزبي بالأعضاء الشباب كما يظهر في الاتحادات الطلابية والجامعية والنقابات المهنية والمدنية، وخصوصاً اتحاد الأدباء ونقابة الصحفيين، وهذا الاهتمام ليس كاملاً وإنما موسمياً ومبرراً في وقته: الانتخابات والمواسم اللاهبة سياسياً, والهدف هو فرض السيطرة على المنظمات المدنية وتحجيم قراراتها وفاعليتها، والجميع نجح في ذلك وتقاسم الأدوار في تعطيل الرئة الأخرى “المجتمع المدني” وتحجيم دورها, ومن المفارقات اللافتة, أن الفشل أو القصور الحزبي الفاضح في استيعاب الشباب واستقطابهم, يقابل بنجاح تحققه جماعات العنف والرفض والخروج على المجتمع حيناً وعلى الدولة والنظام حيناً آخر.
فكيف استطاع الحوثي, الشاب, أن يجمع حوله آلاف الشباب, ويقنعهم بأفكاره الغامضة, ويجندهم للقتال ضد الدولة ,باستبسال وفدائية عجيبين,فيما فشلت المؤسسات التعليمية والأكاديمية والأحزاب والمؤسسات المدنية والتثقيفية و..و..و..كلها فشلت في استيعاب هؤلاء وإغرائهم بالتخلي عن العنف والإقبال على الحياة المدنية والممارسة التعددية؟!
وقل الشيء نفسه عن تنظيم القاعدة والتنظيمات القتالية والجماعات المسلحة الأخرى.
بل كيف فشلت هذه الأحزاب في استقطاب الشباب,الذين خرجوا إلى الشارع قبلها ودون رأيها, في حركة الاحتجاجات المتصاعدة منذ 3سنوات استجابة لدعوات الحراك القاعدي؟!
هنا لابد من توقف,ولابد من دراسات ومراجعات جماعية ومجهود مستمر لتشخيص المشكل الوطني العام والظاهرة الإشكالية التي يعنونها الشباب ولا تلتفت لها المؤسسات ومراكز البحث والتخطيط الاستراتيجي والجهات الحكومية والحزبية التائهة تماماً عن وظيفتها الاجتماعية والتربوية تجاه الأجيال.
خلاصة..
إن كانت هناك من خلاصة يمكن أن اختم بها، على سبيل التوصية، فستكون بالدعوة إلى إعادة النظر في الآليات الحزبية القائمة وإعادة بناء الأطر الحزبية لتؤدي وظيفتها المفترضة كحاضنة للتعددية ومبلورة للتقدم الديمقراطي.. باعتماد الديمقراطية الداخلية كأساس للبناء الحزبي والتنمية السياسية مجتمعياً.
لابد من إتاحة المجال والفرصة كاملة أمام الأجيال الشابة لتأخذ دورها ومكانها في التعبير عن حاضرها وتطلعاتها، بالتحرر من الأبوية السياسية وإقامة حوار متكافئ بين القديم والجديد.. بين الخبرة والكفاءة.. بين الآباء والأبناء.
في هذا الصدد فإن أحزاب المعارضة أكثر قدرة وتحرراً من الالتزامات الخاصة للمصالح والمغانم والمكاسب، لتفعل هذا.. وهي مسئولة تماماً عن تغيير سلوكها وبيئتها ونخبها المنافسة للحاكم في فرض سيطرة الأبوية وتأبيد حالة العقم داخل أطرها وكياناتها, وأخيراً لابد من تحالف واسع يؤسسه الشباب كظاهرة تؤلب المناصرة وتناضل للدفاع عن حق الأجيال الشابة في أخذ دورها ومكانتها وإلزام، إن لم يكن إقناع، الجميع بهذا الحق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.