الأزمة الراهنة التي لا تزال متواصلة منذ أكثر من ثمانية أشهر هي همٌ ثقيل «يتكعفه» أبناء الشعب كل يوم وعلى مضض، فقد أرّقت هذه الأزمة مضاجعنا وسلبت هدوءنا وراحتنا وفرضت علينا إدمان القلق والخوف المتواصل من تفجر الأوضاع هنا وهناك وإدخال البلاد في دوامة العنف والحرب الأهلية التي إن قامت لن تبقي ولن تذر، فما هو الذنب الذي اقترفه المواطن البسيط ليتحمل فاتورة الصراع السياسي دون غيره؟ لأن الحاصل هو أن سياسيينا متفرغون فقط لصنع الأزمات، بينما المواطن هو من يتحمل تبعاتها وآثارها، لدرجة أصبحت معها الأزمات وكأنها قدرنا ومصيرنا الذي لا فكاك منه، وأنه مكتوب على هذا الشعب أن يظل يكابد الأزمات تلو الأخرى طوال حياته دون أن يجد من يرحمه أو ينقذه منها. «سياسيونا يأكلون الحصرم وأبناء الشعب يضرسون» ذلك هو حالنا في ظل هذه الأزمة السياسية التي طال أمدها، فأبناء الشعب فقط هم من يعانون آثارها ويدفعون ثمن الصراع بين فرقاء السياسة من لقمة عيشهم وصحتهم وراحتهم وأمنهم واستقرارهم، بينما صانعو الأزمة ومشعلوها والمستفيدون منها لا يشعرون بمعاناة العامة من أبناء الشعب، لأن آثارها لا تصل إليهم أو حتى تمسهم في شيء، فقط المتضرر الوحيد من هذه الأزمة هو أنا وأنت وغيرنا من المواطنين البسطاء، أما مشعلو الأزمة فإنهم في منأى عن آثارها ولم تزرهم هذه الأزمة أو غيرها من الأزمات ولو مرة واحدة ليدركوا ما يعانيه الشعب ويتكبده من عناء. أعتقد - جازماً - أن هؤلاء لا يهمهم معرفة كم أن هذه الأزمة أرهقتنا وكم قتلت فينا كل شيء جميل ووأدت فينا كل آمالنا وأحلامنا بمستقبل أفضل، وإلا لكانوا توقفوا عن كثرة اللت والعجن وقبلوا بكل ما من شأنه الوصول إلى حلول للأزمة، ورحمونا من كل هذه المعاناة بسبب صراعهم على السلطة، إلا إذا كان هدفهم تعويدنا على الأزمات، فإننا نقول لهم: لقد صار لدينا مناعة ضدها لكثرتها، ولكن الأزمة الأخيرة بجرعتها القاتلة التي لا تزال مستمرة منذ أكثر من ثمانية أشهر لا طاقة لنا بها ولم نعد نحتمل المزيد منها، فاحذروا زيادة التأزيم وإطالة أمد الأزمة، لأن الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، ولتعلموا جيداً أن للصبر حدوداً، فاتقوا شر الشعب اليمني الصبور والحليم إذا غضب أو نفد منه الصبر. أكثر ما نخشاه هو أن الأوضاع الراهنة باتت أقرب إلى الانفجار منها إلى الانفراج، كيف لا ونحن نرى ضعفاً في المسارات السلمية لحل الأزمة التي تكاد تخنقنا تقابله قوة وحدة في التصعيد الخطير للأزمة، فالحلول السلمية تسير ببطء أو تتوقف بمجرد الإعلان عنها بينما تتسارع الحلول الأخرى الأكثر خطورة، بل حتى وإن ظهرت بوادر مشجعة لحل سلمي يؤدي إلى الانفراج فإنها لا تلبث سوى يوم أو بعض يوم، إذ سرعان ما تطغى عليها وتلتهمها نيران التصعيد التي تقود الأوضاع نحو الانفجار. ورغم كل ما نلاحظه هذه الأيام من أحداث متسارعة وتصعيد خطير باتجاه دق طبول الحرب إلا أننا لا نزال نتوسم خيراً في العقلاء والحكماء من أبناء هذا الشعب لتحقيق الانفراج في الأزمة الراهنة ومنع إيصالها إلى درجة الانفجار، ونقصد هنا أولئك الذين لا تزال لديهم ضمائر حية تشعر وتحس بمعاناة أبناء الشعب، أما ذوو الضمائر الميتة فلا خير يُرجى منهم ولا جدوى من مواصلة مخاطبتهم، لأن ذلك بمثابة الضرب بالميت و«الضرب في الميت حرام». اعتقد أن الوقت قد حان لإنهاء معاناتنا من هذه الأزمة القاتلة التي طالت آثارها كل شيء في حياتنا، حتى أصبحنا نكره السياسة ونلعنها صبح مساء، لأن سياسيينا لم يُظهروا لنا سوى الوجه السيئ والقبيح منها، لكن عسى أن يتحقق فينا المثل القائل “ اشتدي أزمة تنفرجي”، أو قول الإمام الشافعي رحمه الله: ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فُرجت وكنت أظنها لا تفرجُ [email protected]