ما إن تظهر بوادر لحل الأزمة الراهنة التي تكاد تعصف ببلادنا حتى تبرز خيوط جديدة لا تجعلها تراوح مكانها فقط بل إنها تزيد من تصعيد الموقف وتزيد من حدة الاحتقان السياسي والتأزم، ويبدو أن “الحكمة اليمانية” لم تدخل حتى الآن ضمن خياراتنا، إذ إنها لا تزال غائبة وإن كانت هي الحل الأقل كلفة والأكثر قبولاً لدى الغالبية العظمى من الشعب اليمني الذين يُطلق عليهم (الأغلبية الصامتة). ففي الوقت الذي شهدنا فيه سيلاً من المبادرات الهادفة للتوصل إلى حلول للأزمة الراهنة وتحقيق الاتفاق والتوافق إلا أن كل هذه المبادرات لم تحظ بفرصة للتطبيق والخروج إلى حيز الوجود علّها تخفف من حدة التوتر والاحتقان السياسي القائم المرشح للتصاعد أكثر فأكثر ليصل إلى درجة الانفجار وإدخال اليمن في أتون أزمة ستأكل الأخضر واليابس وسيكون من الصعوبة بمكان الخروج منها دون دفع ثمن باهظ من مقدرات البلد .. فمن هو المستفيد من كل هذا؟! الأحداث المتسارعة التي بدأت تأخذ منعرجاً خطيراً تلونه الدماء والأشلاء صارت ربما تُنذر بقرب الكارثة التي إن حدثت فلن تُحمد عقباها، كيف لا ونحن في بلد هش المؤسسات واقتصاد ضعيف وانفلات أمني واسع وشعب لديه من الأسلحة الشخصية ما يفوق ترسانة جيوش بعض الدول، لكل هذه الأسباب فإن الانفجار إن وقع ستكون نتائجه كارثية، ويخطئ كثيراً كل من يظن أنه سيكون بمنأى عنها، وأنه لن يتضرر مما قد يصيب الوطن، فالآثار السلبية ستطال كل بيت وأسرة ولن تستثني أحداً، وستظل اليمن أرضاً وإنساناً تعاني منها لعديد السنوات القادمة. حالة من القلق والخوف تسيطر على الجميع، سواء القلق أو الخوف مما قد تُسفر عنه هذه الأحداث المتسارعة، أو من الغد المجهول الذي لا أحد يستطيع التكهن به، خاصة مع عدم وجود أية مؤشرات توحي باللجوء إلى تحكيم العقل والمنطق في معالجة الأزمة الراهنة التي لم تصل يوماً إلى هذا المستوى من الحدة ودرجة التنافر بين طرفي الصراع الذي أعتقد أن الأمر وصل بينهما إلى نقطة اللاعودة وهذا أشد ما نخشاه ونخاف منه. في خضم هذه الأحداث المؤلمة فإن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل من المعقول أن ليس بين ال (23) مليون يمني رجل رشيد؟! فأين ذهبت الحكمة اليمانية التي اشتهر بها اليمنيون على مر العصور والتي جعلت الصادق الأمين محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه يصف اليمن ب (بلد الإيمان والحكمة) وما أظن وصفه هذا إلا صادقاً وهو الذي لا ينطق عن الهوى؟! (الأغلبية الصامتة) التي لم تكوِّن بعد موقفاً مما يجري ولا تميل إلى هذا أو ذاك لم يعد أمامها بعد فشلنا في استحضار الحكمة اليمانية وتغييبنا للغة العقل والمنطق للبحث عن حلول سلمية لكل ما يجري من أحداث مؤسفة في مجتمعنا اليمني، لم يعد أمامها سوى انتظار معجزة لإخراج البلد من الأزمة الخانقة، فما أحوجنا الآن إلى معجزة تأتينا من السماء بعد أن يئسنا من أهل الأرض في التوافق على وضع حلول من شأنها تجنيب البلاد والعباد الكارثة المرتقبة. [email protected]