لا حديث هذه الأيام إلا عن موجة “ تسونامي” الاعتصامات والتظاهرات التي تضرب بلاد العرب في أكثر من منطقة، وهي الأخبار التي طغت على ما دونها من الأخبار، حتى القضية الفلسطينية التي كانت الشغل الشاغل للعرب على اعتبار أنها قضيتهم الأولى لم تعد تحظى بأي اهتمام أو متابعة من قبل القارئ والمشاهد العربي الذي أصبح يكتفي فقط بمتابعة أخبار التظاهرات والاعتصامات ويتنقل بين القنوات الفضائية ويقلب صفحات الصحف لأجلها دون سواها. القنوات الفضائية جندت كل إمكاناتها لتغطية هذه الأحداث ليس ذلك فقط بل إن بعضها أدّت ولا تزال دوراً كبيراً في تصاعد حدة موجة التظاهرات هذه وانتقالها من بلد إلى آخر، ونفس الأمر ينطبق على الصحف والمجلات على اختلاف أحجامها وأنواعها وانتماءاتها فكانت هذه الأخبار هي المسيطرة عليها من الغلاف إلى الغلاف، أيضاً في الشارع وفي الأسواق وفي مقرات العمل وفي كل مكان لا حديث إلا عن الاعتصامات والتظاهرات، حيث أصبح الكل منظّرين ومحللين وخبراء في السياسة، الكل يقدّم نظرته للأحداث ويطرح رؤيته للخروج من هذه الدوامة. الموضوعية والمنطقية حضرت نادراً وغابت كثيراً في تناولات وسائل الإعلام للأحداث، فكانت بعضها تعمد إلى تهويل الأحداث وتغالي كثيراً في تصوير الأوضاع القائمة لتظهرها لمن لا يعايشون هذه الأحداث وكأنها حروب ومعارك بينما الحقيقة مجافية لهذا التهويل أو ليس بتلك الصورة المهولة التي ترسمها هذه الفضائيات، وكدليل على ذلك ما أوردته قناة “الجزيرة” الفضائية يوم الأحد الماضي بأن الدراسة في محافظة تعز متوقفة تماماً .. من هم خارج تعز بالتأكيد سيصدقون مثل هذا الكلام، ولكن ساكني مدينة تعز ومن لديهم أولاد يدرسون في مدارسها لم يصدقوا الخبر، لأن الدراسة ربما وأقول ربما توقفت في بعض المدارس وليس في كل المدارس كما أوردته قناة “الجزيرة” التي كان الأحرى بها أن تتأكد من مصادرها وصحّة معلوماتها قبل بثّها، فكان الأصح مثلاً أن تتحدث عن توقف جزئي للدراسة في تعز وليس عن توقف كلي إلا إذا كان “المُخرج عايز كده” فذلك أمر آخر. حالة من القلق تسيطر على الجميع، القلق مما قد تُسفر عنه هذه الأحداث المتسارعة، القلق من الغد المجهول الذي لا أحد يستطيع التكهن عما سيكون عليه، كل شيء في حياتنا أصبح معجوناً بالسياسة، الأطفال يرددون شعارات لا يفهمون معناها، حتى أولئك الذين لم نسمعهم قبلاً يتحدثون في السياسة أو الذين لا يدركون ماذا تعني مظاهرات واعتصامات أصبحت كل أحاديثهم (سياسة X سياسة). كشفت الأحداث الأخيرة أننا شعب عاطفي جداً “ألين قلوباً وأرق أفئدة “، تتحكم بنا عواطفنا إلى أقصى حد، كما كشفت أننا “عناديين” إلى أقصى حد، نتعصّب جداً لرأينا ولا نرى حلاً لهذه الأزمة إلا ما نريده نحن حتى وإن كانت هناك حلول أقل كلفة، وأيضاً كشفت أن بعضنا يمتلكون قدرة فائقة على التلون كالحرباء تبعاً لمصالحهم، فأي طرف يرون فيه مصلحتهم يتجهون نحوه ولو مالوا كل الميل. من حق كل طرف أن يتمسّك برأيه وموقفه, لكن ليس إلى درجة التعصب التي يلغي معها حق الآخر في الاختلاف معه أو يناصبه العداء لمجرد اختلاف في الرأي، فأولاً وقبل أن نسمح للسياسة بأن تفرقنا نحن أبناء بلد واحد وأخوة وأصدقاء وزملاء عمل وجيران سكن، ويجب أن لا تؤثر فينا هذه الأحداث العارضة ولا تفسد للود قضية بين أبناء الوطن الواحد، ففي النهاية كل هذه الأحداث ستنقشع طال الوقت أم قصر وستعود أمور الحياة إلى نصابها، وكل ما نتمناه هو أن تظل قضية الوطن والحفاظ على أمنه واستقراره هو الهدف والهاجس الرئيس لدى الجميع. [email protected]