نبيل الحسام بينما كنت أمشي بجوار إحدى مدارس العاصمة صنعاء شاهدت أمهات كثيرات عند بوابتها المغلقة وهن يردن الدخول. واستوقفني صوت رجل وهو يقول لصاحبه: "أشتي أدخل آخذ مهلة بالرسوم لأنه ما بيخلوهاش تدخل، وقد الأستاذة ضربتها". وكان بيده طفلة صغيرة يمكن في الصف الأول أو الثاني. حينها دفعني الفضول وبدون سابق معرفة ولا سلام قلت له: "كيف؟! إيش تقول؟ ضربتها؟" فأجابني: "إيه والله ضربتها". ثم أنزل رأسه إلى مقابل وجه طفلته وسألها: "نعم.. يا بنتي ضربتك؟" فهزت رأسها وهي تقول: "أيوه". لحظتها فار دمي وبدون وعي قلت له وبصوت عالٍ سمعه الحاضرون: "قد الحرمان يمكن نتحمله، أما الضرب فحرام، وطلاق ما يضرب أو يضرب ابنتي أو ابني من أجل الرسوم لو يكون ما كان. ولو ضربه لأدخل له للمدرسة وأتسقضي قضاءً صحيحاً من حق الجن، قضاء يكون بحق ما شقع بعدها من عقاب، اقتحام المدرسة والضرب وافي وكافي". هز الرجل رأسه آسفاً، وإذا بالذي بجواره يقول لي: "هذا برتبة عقيد، وعد المدرسة في أرضهم وما استلموش تعويض". فنظرت إلى وجه الرجل فقال لي: "أيوه. وبعدين لو يشوفوا كشوفات العام الماضي والذي قبله بيلاقوني مسدد، ويقولوا هذا ملتزم، بس يمكن جاءت له ظروف. وأنا والله بأسدد، يعني لو ما فيش معي هذا الشهر وحتى الثاني، مكاني بأجي وأسدد حق الشهرين". ثم مرة أخرى جاء صوت آخر، ولكنه هذه المرة كان لإحدى الأمهات عند بوابة المدرسة، وقد رفض الحارس السماح لهن بالدخول لأن نظام المدرسة يسمح لأولياء الأمور يوم الأربعاء فقط، أو في حال لديه ورقة استدعاء من الإدارة. صوت الأم جاء يقول للحارس: "كما في حال ما سمحوش لبناتنا يختبرن فأنت تتحمل المسؤولية". وكان واضحاً أن الأمر متعلق أيضاً بالرسوم لعدم قدرتهن على دفع المبلغ في الموعد المحدد، كون ذلك سيترتب عليه حرمان بناتهن من الاختبار، وأن مجيئهن كان لتوسل إدارة المدرسة بإعطائهن مهلة. وأما الحارس، كمأمور فاقد الحيلة والقرار، فلم يكن يملك إلا أن يقول لها: "تمام"، وهو يعلم أنه ليس التزاماً منه ولن تكون عليه مسؤولية، وإنما المسؤولية والحساب ستكون في حال سمح بالدخول. نعم، هكذا وصل الحال بالناس، وبتنا نحرم أبناءنا من الدراسة في مدارسنا التي تم بناؤها على حسابهم، وتحملوا كلفة بنائها حتى حين كانوا نطفة في أصلابنا، قبل أن يكونوا أجنة، وعند خروجهم للحياة وجدوا أنفسهم يعاقبون..!