إننا على يقين قاطع من عدل الله ورحمته، وندرك حق اليقين من بديع سنته, سنة الابتلاء لما عاهد الله أهل الكتاب من قبل فغدروا وخانوا أنزل الله عليهم غضبه وعذابه وسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب، فلم ينفعهم ادعاؤهم الكاذب أنهم أبناء الله وأحباؤه، وكان حكمه القاطع وأمره النافذ فحقت عليهم كلمة الله، فأزال دولتهم وكسر شوكتهم ومزقهم شر ممزق، ونحن نحتفي بمولد المصطفى عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام في ظل الأوضاع المأساوية التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية من الخليج إلى المحيط لا بد أن نستشعر عظمة ومكانة مولده عليه وعلى آله الصلاة والسلام، وأن تتقارب رؤى الأمة وتسود ثقافة التسامح والتصالح بين جميع المذاهب والجماعات المتصارعة لتفويت الفرصة على المأزومين، وكل القوى المعادية الذين يسعون إلى شق الصف الوطني بين أبناء الأمة الواحدة، ومن أخطر ما يوسع هوة الخلاف والصراع بين أبناء الأمة ثقافة الإقصاء التي ترفض الاستماع إلى الرأي الآخر، فالجمود والغلو والتشدد الفكري يفسد الحوار، ويقود إلى السلبية المتطرفة التي تُحدث شروخاَ غائرة في جسد الأمة وتمزق وحدة المسلمين.. جاء في الأثر أن سيدنا بلال رأى النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام في المنام وهو يقول له: ما هذه الجفوة يا بلال أما آن لك أن تزورنا؟ وقد كان بلال بن رباح ترك المدينةالمنورة بعد انتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى، وأقام بالشام فركب بلال إلى المدينة فأتى مقام رسول الله عليه وعلى آله الصلاة والسلام، وجعل يبكي عند قبره ويمرغ عليه, فأقبل الحسن والحسين فجعل يضمهما ويقبلهما فقالا له نشتهي أن تؤذن في السحر كما كنت تؤذن على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام, فعلا بلال سطح المسجد فلما قال الله أكبر أرتجت وأهتزت المدينة فلما قال أشهد أن لا إله إلا الله زادت رجتها وهزتها، فلما قال أشهد أن محمداً رسول الله خرج الناس باكين والنساء من خدورهن باكيات فما رؤي يوم أكثر بكاءً وحزناً من ذلك اليوم. وفي ذكرى مولد المصطفى عليه وعلى آله الصلاة والسلام علينا أن نتأسى بسنته ونقتدي بأقواله وأفعاله، ونرسخ قيم ومبادئ سيرته سلوكاً عملياً في حياتنا وننهج مسلكه في الوسطية والاعتدال والنأي عن الغلو والتطرف والتعصب.. إن رسولنا الأعظم عليه وعلى آله الصلاة والسلام لا يرضيه أن نعظمه ونتغنى بمآثره وأخلاقه وقدوته الحسنة بينما نحن في واد غير ذي زرع بعيد كل البعد عن التأسي بمآثره وخلقه والاقتداء بسنته التي لا تنطق عن الهوى.. فالمتأمل في جوانب شخصيته المحمدية المطهرة الطاهرة ليجد موطناً عظيما وسامياً وشامخاً من مواطن القدوة العملية الميدانية والسلوكية اليومية التي لا يشوبها الغموض أو التشويش أو التعتيم وحاشاه وهو ذو الخلق العظيم.. مصداقاً لقوله تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم) سورة القلم.. وغني عن البيان: أن المصطفى عليه وعلى آله الصلاة والسلام كان نعم القدوة التي وصفها الله سبحانه وتعالى بأنها أسوة حسنة). صفوة القول إن الوصايا القرآنية والمحمدية هي الطريق المستقيم الوحيد الذي يأخذ به الفرد والجماعة والأمة إلى خير الدنيا والآخرة وعلى علمائنا الأجلاء تقع المسؤولية (وقفوهم إنهم مسؤولون) أن يُعدوا الأمة إعداداً ثقافياً وعقائدياً وإيمانياً وروحياً حتى يقفوا على كل جديد في ميادين العلم والمعرفة والفكر حتى تتاح لهم خبرات عميقة بعوالم النفس البشرية، ومن هنا ندرك أهمية المسجد في بناء العقول والنفوس بدفقات إيمانية ووجدانية وروحانية وعقلية للانطلاق إلى بناء سامق ضخم ينهض على أسس من العقيدة الموحدة، إن العقيدة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وكل علوم اللغة والفقه كلها درجت في حضن المسجد الإسلامي وترعرعوا حتى أصبحوا شباباً مكتمل الساعد والعقل والروح. نافذة شعرية كما ترحل الشمس نحو المغيب رحلت و مازلت ملْ القلوب سوف تظل حديث المروج وذكرى الأريج ونفح الطيوب نقي الإهاب نظيف الثياب مهيب الجناب محب حبيب عطير الرحاب مطير السحاب كثير الصحاب حسيب نسيب رسولنا كنت تبني العقول وكنت الإمام وكنت الخطيب تعُين على الحق لم تدخر ومالك في مالهم من نصيب وصدرك أفق وكون رحيب ولم تك بالمستفز الغضوب ففي ذمة الله نبي الحبيب