محمد المخلافي كان الخبر كالصاعقة. أستاذ علوان، كيف حال الأستاذ كريم الحنكي؟ هاتفتُ علوان لأطمئن، وفجأةً ردَّ عليَّ بصوتٍ مرتجف: مات. كيف؟ توقفتُ في الطريق، تلعثمتُ ولم أستوعب: مات؟.. يعني مات؟ أغلقتُ المكالمة وارتميتُ بجوار أحد المحلات. كانت ساقاي ترتجفان ولا تقويان على حمل جسدي. كريم الحنكي مات.. رحل فجأة. كيف خطفه الموت من بيننا بهذه السرعة؟ كان شخصاً مختلفاً. شاعراً يحلِّق بكلماته في سماء اللغة، وأديباً ينقِّب في أعماق الأدب ليخرج لنا كنوزاً نادرة. أما كإنسان، فكان متواضعاً هادئ الطبع، موجزاً في كلامه، ودائماً ما كانت الابتسامة على شفتيه. إذا ناقشته، أجابك بهدوءٍ عميقٍ دون تعصب. قبل أسبوعين، كنا في منتدى الأستاذ فيصل سعيد فارع نحتفي بإصدار صديقنا مصطفى راجح لكتابه "دليل السراة". كان كريم أول المتحدثين، وعرض محتوى الكتاب بذكاءٍ وبصورةٍ بلاغيةٍ أخّاذة. في احتفالية ديوان "آدم الثاني" للأستاذ علوان الجيلاني قبل أسبوع، وصل كريم متأخراً مع الشاعر جلال حنداد بسبب المطر. بدا عليه التعب، فاتكأ في الجهة المقابلة لي. كان مبتسماً كعادته، وقدّم مداخلته شفوياً بشكل مختصر وبتركيزٍ لافت. عند خروجنا من منتدى فيصل، وقفنا عند بوابة الحوش. قال لنا وهو يلمس صدره: "أشعر بكتمةٍ وضيق ." قلتُ له: "شفاك الله، لعلها من تأثير المطر"، وطبطبتُ على ظهره وودعته. في صباح الجمعة الماضية، وأنا أتصفح الفيسبوك، لمحت منشوراً للأستاذ علوان الجيلاني يُنبئ بمرض كريم، ووصفه بأزمة صحية خطيرة. دعوتُ له بالشفاء. وبعد صلاة الجمعة، اتصلتُ بعلوان ليفاجئني بالخبر المزلزل. لم أنم تلك الليلة. ظلت نظراته الأخيرة تلاحقني، ومرت ذكرياتنا معاً كشريطٍ لا يتوقف. حاولتُ الكتابة لكن تبلد عقلي وتشتت. والآن، وأنا مستلقٍ على الفراش متعباً، تعرضتُ لوعة صحية خفيفه منذ البارحة. حاولت أخيراً أكتب هذا المنشور المختصر عن هذا الصديق والإنسان الاستثنائي. رحمك الله يا كريم، وداعاً صديقي.. إلى جنة الخلد بإذن الله.