إن مشروع ترامب لا يمثل سوى إعادة وضع الأراضي الفلسطينية مجدداً تحت الوصاية البريطانية، بعد مضي ما يزيد عن ثمانية عقود على مغادرة آخر مندوب بريطاني، وهو آلان كينغهام، لفلسطين في عام 1948. التباين الوحيد بين العهدين، من زاوية المضمون، يكمن في أن الانتداب الأول أدى إلى إعلان تأسيس ما يُسمى دولة إسرائيل على جزء لا يُستهان به من التراب الفلسطيني. أما هذا التفويض، فمن المحتمل، بل من المؤكد، أنه سيُفضي إلى إعلان قيام ما يُعرف بإسرائيل الكبرى على ما تبقى من فلسطين، بالإضافة إلى مناطق من دول عربية أخرى. هذا البيان، قطعاً، ليس مجرد تخمين أو تنبؤ أو إدعاء بمعرفة الغيب، بل هو تعبير عن الحقيقة التي يرسمها المستعمرون الجدد، تحت قيادة الولاياتالمتحدة وحلفائها في المنطقة والعالم. ما يُعزز هذا الأمر هو ما ورد في بنود هذه المبادرة التي أعلنها ترامب مساء الأثنين الفائت من واشنطن، والتي تتألف من عدة نقاط، جميعها، إذا دققنا النظر فيها، تخدم بنداً واحداً لا غير، وهو الذي ينص على ما يلي: "إذا رفضت حماس هذا الإتفاق، فسيحظى نتنياهو بمساندتنا الكاملة للقيام بما هو ضروري". ماذا يُستخلص من هذا القول؟ يُشير هذا إلى أن ترامب ونتنياهو قد استبقوا رفض حماس، ويعملان انطلاقاً من فرضية الرفض، بغض النظر عن الموقف الذي سيصدر عن حماس، سواء كان قبولاً أو رفضاً. هذا المسار سيقودنا حتماً إلى حصيلة واحدة، وهي الاندفاع نحو العمل بموجب هذا البند المذكور. وبناءً على ذلك: فإن نتنياهو، بموجب هذا التفاهم، وبصرف النظر عن ردة فعل حماس، قد ضمن الدعم والغطاء الأمريكي المطلق للمضي قدماً، وبأقصى مدى، في أحلامه وخططه التوسعية التي تهدف إلى تحقيق ما كان قد صرح به مراراً وتكراراً بخصوص التزامه بإقامة وتحقيق حلم إسرائيل الكبرى. وهذا، بالطبع، ما سيوفر له الإمكانية للتمدد أو التوسع في أي اتجاه يراه مناسباً أو حتمياً في البلدان العربية المتاخمة لفلسطينالمحتلة، بدعم وتحت مظلة أمريكية غير محدودة، وبذريعة واحدة هي حماية أو ضمان استقرار كيانه المستحدث، وتحت شعار واحد أيضاً هو ملاحقة حماس أو أي جماعة أخرى من جماعات المقاومة. والآن، يتبقى النظر إلى مصير الدول العربية! كيف سيكون وضع الدول العربية التي سارعت إلى مباركة ودعم هذه الخطة، عندما تجد نفسها معزولة في مواجهة طموحات وغطرسة نتنياهو، التي لن تتوقف عند حدود معينة، والتي ستزداد حدة مع الإعلان عن انتهاء الوصاية البريطانية الأمريكية على الأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع، بحجة إفشال حماس لهذه الخطة والاتفاق الترامبي المخادع! في ذلك اليوم، سيجد العرب أنفسهم على موعد مع نكسة أخرى. وفي ذلك اليوم أيضاً، لن ينفع التأسف أو البكاء والنحيب، فقد انتهى الأمر وفات الأوان. وخسارة فادحة أيها العرب!