حقاً ... اذا أراد الشيعة الدفاع عن بالكلمة لا بالقنبلة , في وجه اللبنانيين الذين كلهم يقفون ضدهم , وفي وجه العرب الذين يقفون كلهم ضدهم , وقد لاحظتم كيف أن أحمد أبو الغيط خرج من غيبوبته (تصوروا دجاجة ناطقة بالعربية) ليعلن دعمه لقرار مجلس الوزراء الذي لم يكن عرضه , أو اقراره , دستورياً أو ميثاقياً , وفي وجه كل المسلمين الذين استساغوا الاقامة على قارعة الأزمنة . كل هذا لأن الشيعة يقاتلون الشقيقة اسرائيل (أليس اسماعيل شقيق اسحاق ؟) . وعندما سندوا ظهورهم الى الايرانيين الذين ثابروا , على مدى أربعة عقود , في التهديد بازالة اسرائيل أي أميركا من الوجود , لم يتمكنوا من اسقاط ولو مسيّرة واحدة , بعدما استبيحت أجواؤهم على ذلك النحو المروع . استطلعنا آراء الشارع , وكذلك آراء النخب , ليتبين لنا أن ثمة أجماعاً على اعادة كل "التراجيديا الشيعية" في لبنان الى غياب الدولة . حتى اللحظة أين الدولة في لبنان , حين نكون أمام تلك الصورة التي رسمها المطران الجليل جورج خضر "لبنان واقع ركام لا واقع جماعة" . أجل ركام بشري , وركام طائفي , يأخذ شكله القاتل الآن , الحالة اللبنانية , باجترارها لثقافة القرن التاسع عشر , وان بتبدل طفيف في شكل القناصل , في حالة موت سريري . قدر الشيعة , ككتلة منسية في الجنوب (في البقاع حدث ولا حرج) . القدر الجغرافي , وايضاً القدر التاريخي , أنهم وجدوا على تخوم اسرائيل , بالثقافة التوراتية التي تقوم على الاجتثاث وعلى رفض الآخر , بل وعلى تخوم قضية أحدثها الغرب , وأبقاها , بكل وسائل التفوق العسكري , والحضاري , مفتوحة على مصراعيها من أجل الاستنزاف الدراماتيكي لثروات المنطقة ولأزمنة المنطقة . لا دولة هناك سوى شاربي أحمد بيك الأسعد . مثلما مشى دافيد بن غوريون على جثث الجنوبيين , مشى مناحيم بيغن , ومشى ياسر عرفات , كما مشى سعد حداد وأنطوان لحد . وعلى الجنوبيين اياهم أن يبقوا جثثاً مكدسة على الأرض , لا أن يحملوا البنادق , ويحققوا ذلك الانجاز العسكري الفذ في تاريخ العرب , ويحملوا ايهود باراك على القول "آن الأوان لكي خرج جنودنا من جهنم" , بعدما لاذت بالفرار جيوش ثلاث دول عربية أمام دبابات موشي دايان , واسحق رابين , وحاييم بارليف . هنا الخطيئة المميتة التي ارتكبها "حزب الله" . كان يفترض أن يبيع جلده للشيطان , ويدع أهله داخل "غرفة العار" , لنذكر بقول الفيلسوف الفرنسي , وصاحب "الوضع الانساني" , أندريه مالرو حين دعا الفرنسيين , ابان الاحتلال النازي لبلاده , الى "الخروج من غرفة العار , والتوجه , في الحال , الى الخنادق لاقتلاع الأقدام الهمجية . على امتداد تلك الملحمة التي سقط فيها آلاف القتلى والجرحى , ودمرت فيها المنازل , والحقول , والمؤسسات , أين كانت الدولة اللبنانية , بل وأين كان اللبنانيون الآخرون , مع اقتناعنا بأن فلسطينيي المخيمات كانو ضحايا تلك القيادات الرثة . أبو الزعيم وأبو الهول وأبو الجماجم الذين كانوا يعيشون ليالي ألف ليلة وليلة تحت الثريات الفاخرة في شارع فردان , توجهوا خلال اجتياح 1982 الى مخيم عين الحلوة لقيادة المقاومة . ولكن ليفاجأ أهل المخيم بهم يفرون كما القطط المذعورة باتجاه البقاع حال تقدم القوات الاسرائيلية . كوميديا ثورية لا ثورة . لطالما قلنا ان "حزب الله" لم يهبط من كوكب آخر . ابناؤه خرجوا من هذه التراب , وترعرعوابين زهور الأقحوان , وحقول الزيتون , كما خرجوا من قبور الآباء , ومن قبور الأمهات . ساندتهم ايران ؟ هل حاول العرب , أباطرة العرب الذي كانوا يساعدون , وبأوامر أميركية , حكومة الجلادين في غواتيمالا ضد الثوار , تقديم رصاصة واحدة , رغيف خبز واحد , الى المقاومين في جنوبلبنان , وكانوا , في البداية , ينتمون الى اتجاهات سياسية مختلفة . ثم , هل من ثورة ضد الاحتلال في التاريخ لم تتلق المعونات من الخارج ؟ الآن , واقع جديد أمامنا . هل يفترض ب"حزب الله" أن يرفع الرايات البيضاء أمام بنيامين نتنياهو ؟ كما جرت العادة , اتهامات ببغائية على الشاشات بأن الأميركيين يستخدمون سلاح الحزب كورقة تكتيكية للتفاوض مع الأميركيين . أي ساذج يتصور أن هذا السلاح , وفي الظروف الراهنة , وحيث الاختلال الهائل في موازين القوى , يمكن أن يستعمل تكتيكياً أو استراتيجياً , خصوصاً بعد انتقال سوريا , وهي واسطة العقد , من ضفة الى أخرى , بل من جبهة الى أخرى ؟ أيها الشيعة ... أنظروا الى غزة , وحيث المذبحة التي لا نظير لها في التاريخ . ماذا يفعل العرب , وهم مجرد فقاعات بشرية على المسرح الدولي ؟ وماذا يفعل المسلمون الغارقون في محاولات المحاولات السيزيفية الخروج من قاع الأمم ؟ في هذه الحال , ما جدوى السلاح اذا كان ياسر عرفات قد دفن القضية تحت ورود , وثلوج , أوسلو , واذا كان اسماعيل هنية قد دفنها تحت رمال , ونيران , غزة ؟ لكنها قضية لبنان ؟ اي لبنان الذي قال المطران جوج خضر أيضاً "لقد قيّض له ألا يعيش وألاّ يموت", تماماً كما أهل الجحيم في "الكوميديا الالهية" لدانتي . لا لبنان ولا لبنانيون . طوائف بقيادات تتدحرج رؤوسها على بلاط هذا البلاط أو ذاك . دونالد ترامب يريده لاس فيغاس الشرق , وبنيامين نتنياهو يريده أريكة ليهوه . الكلمة الأخيرة ليست لنا ...