بعد حرب صيف 94م والتي لم يستقر مسماها على حال، فهي حرب الانفصال عند البعض، وحرب الوحدة عند البعض الآخر، وثمة من يسميها غير ذلك والمسميات كثيرة، المهم بعد تلك الحرب جرى تكريس واقع اتفق بشأنه الذاهبون إلى الحرب أو المتحالفون فيها، وفي بعض الجوانب جاء كنتيجة منطقية لانتهاء واقع سبقه وشابه الكثير من الخلل. الواقع الجديد آنذاك أغرى المتحالفين، وربما أقنعهم أن أصعب المحطات قد جرى تجاوزها، وبناءً على ذلك أعلن عن تحالف استراتيجي بين شركاء النصر حسب توصيف ذلك الواقع، وهو تحالف ظن أهله أنه لن يزول وكان أشبه ما يكون بالزواج الكاثيوليكي وإن بمسمى تحالف سياسي. الواقع المفروض جاء على حساب قضايا بالغة الدقة والأهمية، فأنتج شعوراً نفسياً رافضاً له، وإن لم تكن المرحلة وقتها مناسبة للتعبير الجهري لرفض الظلم، ولذلك ظلت الأوضاع كالنار تحت الرماد إلى أن تهيأت المناخات المناسبة للتمرد على ذلك الواقع وعلى كل أطرافه، وهي مناخات داخلية قبل أن تتهيأ المناخات الخارجية، وما حدث لم يكن بحسبان الكثيرين. انهيار الزواج الكاثيوليكي “التحالف السياسي بين قطبي الطرف المنتصر” جاء كنتيجة متوقعة لتصادم المصالح، فساعد على تهيئة المناخات لكسر جدار الصمت والخوف عند المقهورين نفسياً من الواقع الجديد القائم على نتيجة الحرب. وبالمناسبة لم يكونوا كلهم أنصار الحزب الاشتراكي، ولكن غطرسة وكبر القادمين الجدد هو من جعلهم يشعرون بذلك الشعور بالقهر والظلم. ولأن شركاء “النصر” خلال الفترة التي سبقت انهيار تحالفهم كانوا قد عاثوا فساداً اعترفوا به فيما بعد وأقرّوا بخطأ ما كان منهم لدواعٍ سياسية وهو ما تسبب في خلق حالة من التنافر الاجتماعي سيكون من الصعب إزالتها بسهولة، لأن كل ما حدث بعد ذلك خلال فترة انهيار التحالف الإصلاحي المؤتمري وما بعدها وصولاً إلى الوقت الراهن لم تحدث معالجات حقيقية للخطأ الكبير والأخطاء الأخرى. شهدت الفترة الماضية تحالفاً جديداً جمع أطرافاً لم تكن تقبل ببعضها قبل ذلك، ولضرورات مرحلية وسياسية حدث التقارب أو التحالف، وهو الآن يمضي على خطى التحالف الأول الذي بدأ قبل حرب 1994م واستمر لسنوات قبل أن يتحول إلى خلاف وعداء، التحالف الذي يشكل الآن طرفاً في خلاف حاد الزوايا، ورغم ما قد يبدو من وفاق بين أحزابه المشتركة فيه إلا أنه غير بعيد من انهيار مماثل لانهيار التحالف الأول، والمؤشرات توحي بإمكانية تكرار نفس الأخطاء وخلق حالة من القهر النفسي عند فئة كبيرة من الناس يحسّون بطعم الهزيمة وإن كان مذاقها اليوم يختلف عن سابقتها.. هم اليوم بحكم الظروف والمتغيرات يتجهون نحو الصمت والتسليم بحكم الأمر الواقع تماماً كما فعل مقهورو 1994م، وأعتقد أن تكريس هذا الواقع سيكون خطأً لا يقل فداحة عن الأول، ومع الأيام ولو بعد أعوام سنجد نتائج كارثية لهذا الوضع الذي نحذّر منه كما حذرنا من الوضع السابق. نشوة النصر ستنقلب وبالاً على الجميع كما فعلت نشوة 94م، والخوف الأكبر أن تجتمع كوارث النشوتين في الفصل الأخير من سيناريوهات التحالفات المرحلية؛ وبذلك نضيق على واقع يتجاوز الجميع ويفرض نفسه على خلاف ما نريد جميعاً.. فهل بمقدورنا تفادي ذلك؟!.