تتوارد الثورات وتسمّى بأسماء تبعث على التفاؤل علّها تخفف من الاحتقانات لنسقطها على المواطن تفاؤلاً، تصالحاً، تواداً، ثورات سُميت بالقرنفل والبرتقال والياسمين، ثورات عملت على التعافي والتسامح رحمة بها تاريخاً وقيماً، ولا نذهب بعيداً فثورة ال25 من يناير 2011م في مصر لملمت جراحها وجراح فقرائها، ومارست تكتيكات كما يقال في العلوم السياسية والعسكرية من عملية انتخابية طويلة وأدوار ودرجات في الانتخابات، مجلس شعب، شورى، أحزاب، فئات، قوائم، توسعت قائمة المشاركة للناخبين وتقاطر إليها المسنون والمعاقون وسادتها النساء علّهن بقلوب الأمهات ينسجن خيطاً لمستقبل أفضل لأبنائهن يغزلنه بأصواتهن، فقد أدركت المرأة المصرية - وهي الرائدة في دور النساء العربيات - أن حرث الأرض للمستقبل هي أحد حارثيه وباذريه. هكذا تعلمنا الثورات السابقة والحالية، وما نطلقه ثورات الربيع العربي أليس ربيعاً فقد تخطينا ما عشناه من ثورات حمراء احتجنا إليها في مراحل سابقة من القرن الماضي في مقارعة الاستعمار القديم والجديد والملكيات، كنا حينها نحتاج إلى ثورات حمراء معمدة بالدماء تقودها فصائل فدائية؛ ولكننا اليوم نثور بوسائل سلمية اختطيناها في دساتيرنا خاصة نحن في اليمن، وما أحوجنا لذلك إلا إيماننا بأن ذلك وسيلة استراتيجية بصرف النظر عما حصدناه من شهداء، فلايزال الثوار رجالاً ونساءً سلميين، ونحن بلاد نتمنطق ونتأزر السلاح في الغالب الأعم. أعتقد أن علينا أن نخفف من حالات الغضب السلمي ونبحث بين حنايانا عن احتياجاتنا التي نستطيع أن نلبيها لنخفف من حالات الاحتقان ونقرّب من مساحة التباعد، ألسنا نحن أهل اليمن، أهل الحكمة، أم نحن بعد أكثر من (1400) عام لمدح الرسول صلى الله عليه وسلم لنا نريد أن نغفل وربما دون قصد، هل بالإمكان أن ننظر إلى حالة الفقر الذي نحمّل الحكومة سببه، ولا نعمل على الأقل للتخفيف مما يعانيه فقراؤنا، أوليست ثورتنا من أجلهم، ألا نمتلك تكتيكات سلمية أخرى غير الاعتصامات والمسيرات وتغيير سلوكيات المواطن الثائر؟!، فما أحوجنا أن نلعب دوراً ثورياً يخرج اليمني من صورة نمطية لشخصه للأسف هي ملتصقة في كل يمني عن ابن بلده قبل أن تلتصق في ذاكرة غير اليمني. إذاً متى نغيّر صورتنا النمطية السلبية هذه هي أوصافها "ضعيف، هزيل، ينتفخ أحد خديه عندما يحشيه بتلك الوريقات الخضراء السامة بفعل من يزرعها؛ وعيون جاحظة، وأسنان صفراء مائلة إلى اللون الأخضر وليس للخضرة، فالخضرة تعنى العطاء"؟!. ما زاد الطين بلة أن شحوباً في وجه اليمني، فهو يقضي وقتاً يصاحب دورة تعاطيه القات فيتشبع وجهه بشتى ألوان تعاطي التمباك من سجارة ومداع، يضاف إليه صرعة أخرى من الكيف إنه "المعسل" وهو يصب في خانة الدخان الذي يحفر في وجه الرجل وكذا المرأة (حتى لا أكون مجافية للحقيقة، وخطر ذلك أكبر على المرأة وخاصة الأم) نرى الوجوه جافة بشرتها، أما الفم فهو الآخر حالة من التصحّر والتشقق والجروح الذي أدمت اللثة والشفاة وأضعت الأسنان.. هذا هو حال السواد الأعظم من الناس عندنا، ومن يكابر ويرفض هذه الصورة فلنخرج عصراً ونرى تموضع اليمني؛ فهو إما متكئ على حجر وكرتون في الشارع أو على سيارته أو الدكان أو المحل في قيلولة قات، إنه جلد للذات بعد أن عدم اليمني وسيلة للنهوض بذاته وارتضى ذلك، وهان عليه أن يكون لديه شارع نظيف أو منزل نظيف، فقد أغرقه تعاطي القات في حالة من السرحان والتوحد مع الذات دون مبالاة في السلوك، وهكذا تسطح في تعامله، أما المؤلم فهو صمت حكومي وغير حكومي عدا ثرثرات الصحف وبعض منظمات المجتمع المدني غير الحزبية؛ أما الحزبية فهي لا تحرك ساكناً، بل هي مستنقع خطر لهذه الصورة النمطية، فقياداتها معظمها هي في نفس الواقع، وكيف لها وللجميع حكومة وأحزاباً أن يغيروا؟!. إننا بحاجة إلى ثورة جمعية جماعية على واقعنا لنجتث حالة الإدمان القاتي، وألا نضع القات شماعة للحيلولة دونها الوصول إلى المخدرات والخمور؛ فهي موجودة ولا داعي للتذرع بالخوف منها، فنحن نحتاج إلى حالة من الصحوة الذهنية الأخلاقية القيمية، فكفانا حطاً من مكانتنا، وحتى لا يتأصل في أجيالنا، وكفانا إدماناً أدمن سلوكنا وغيّر أولوياتنا، وكفانا مغالطة، فهذا القات هو المشترك فينا على تعددية توجهاتنا، فهل من سبيل للخروج من قيده، فقد أهلك زرعنا وضرعنا وبنيتنا وأمننا الغذائي والمائي وسلمنا الاجتماعي والاقتصادي؟!. لذا نحتاج إلى الثورة عليه، وأن نبحث عن بدائل ترويحية رياضية وثقافية وبدائل اقتصادية تشجع المزارع على ترك زراعته كأن تشتري الحكومة منتجات من لا يزرع القات بأن تخفّض له قيمة الآليات والقروض، وهي بدائل حكومية، وقد نطلق على ثورتنا ثورة «البُن» الذي أمتناه كما أمتنا ميناءه المخا، فهل نحن فاعلون؟!.