لا يزال كثيرون يبدون استغرابهم من عدم التطابق بين الشعار الحوثي : (( الموت لأميركا .. الموت لإسرائيل )) وبين ممارسات الحوثي على أرض الواقع ، فالحوثي لم يمس أميركا أو إسرائيل بأدنى سوء على عكس تنظيم القاعدة مثلاً الذي استهدف المصالح الأميركية ونجح في توجيه ضربات نوعية للعسكرية الأميركية واعتبر نفسه في معركة مفتوحة مع الأمريكان ... بينما الحوثي يرفع شعار : ( الموت لأميركا .. الموت لإسرائيل ) وهو لا يستهدف سوى اليمنيين ، ولا يذوق منه الموت والدمار سوى أبناء اليمن ! وقد ذهب البعض إلى أن الشعار الحوثي المذكور ما هو إلا مجرد وهم .. وهم لا أساس له يخدع به السيد الحوثي أتباعه البسطاء فيجعلهم يَقتلون ويُقتلون من أجل شعارٍ لا معنى له ! لكن البعض لم يقتنع بمسألة الوهم هذه ، خصوصاً من يصدق خرافة عبدالرحمن غيلان بأن ( أتباع الحوثي فيهم الكثير من المبدعين والمثقفين والساسة والأكاديميين والعقلاء ) ! ولذلك كان لابد من إيجاد تفسير منطقي لهذا الشعار المحير بسبب التناقض الصارخ بينه والممارسات الحوثية على أرض الواقع ، وقد تنوعت الاجتهادات في تفسير الشعار فكان منها : 1 رأي يقول إن السيد الحوثي الموغل في دهاليز الرمزية والتقية لا يقصد بهذا الشعار ما يتبادر إلى الذهن ، فذلك فهم سطحي لا يقول به رجل ضليع في علوم الدين والدنيا كالسيد الحوثي ، ولكنه يقصد بإسرائيل هنا نبي الله يعقوب عليه السلام ، ويقصد بأمريكا مكتشفها ( أمريكو ) الذي سميت أميركا باسمه ، فهو يقصد أشخاصاً ماتوا منذ زمن ٍبعيد ، أي أن شعاره كما يقال : تحصيل حاصل ، وبالتالي فهو لا يغضب أمريكا و لا إسرائيل ! ويستدل أصحاب هذا التفسير الغريب لقولهم هذا بأن أميركا لا يمكن أن تموت ، إلا إذا ماتت إيران مثلاً ! وبأنه لو كانت البلدان تموت لكانت اليمن ماتت منذ سنوات من باطل أعمال الحوثي ! بل لكانت ماتت منذ قرون من فظائع الحكم الإمامي البائد ! 2 وهنالك تفسير آخر قد يبدو أكثر غرابة وإن كانت حجته اللغوية قوية وهو أن السيد الحوثي يريد بالموت هنا السكينة ( الطمأنينة ) ، من قول العرب : ماتت الريح إذا سكنت ، وقولهم : ماتت الخمر إذا سكن غليانها ، فيكون المعنى الذي يقصده الحوثي من شعاره هو : السكينة لأميركا ... السكينة لإسرائيل ! وفي محاولة منهم للتدليل على صحة تفسيرهم زعم أصحاب هذا التفسير أن السيد الحوثي قد أصطحب معه كتاب ( لسان العرب ) إلى السفارة الأميركية ، وأقنع السفير الأميركي بهذا التفسير ، ولما سأله السفير الأميركي لماذا تصرون على استخدام هذا اللفظ ما دام أنكم لا تقصدون معناه الشائع ؟ أجابه الحوثي : هذه حركات تقية إحنا نسويها على أصحابنا بس ، وأما أنتم فلا يكون في بالكم شيء ! 3 وهنالك تفسير آخر ليس بعيداً عن التفسير السابق وإن كان أصحابه يصرون على أنه هو التفسير الصحيح ، وخلاصته أن العلامة السيد الحوثي يريد بقوله : الموت لأميركا .. الموت لإسرائيل ، أي النوم لأميركا .. النوم لإسرائيل ! فالسيد الحوثي يستخدم كلمة ( الموت ) هنا بمعنى النوم ! يقول أصحاب هذا الرأي : وهذا الاستخدام جائز وصحيح في اللغة ، وقد جاء في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا استيقظ من نومه : (( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور )) ، فالموت في الشعار الحوثي يراد به النوم ، وتفسيره الباطن : الأمان والطمأنينة والسلام لأميركا وإسرائيل ، وقد زعم أصحاب هذا التفسير في محاولة منهم للتدليل على أن تفسيرهم هذا هو التفسير الصحيح أن السيد الحوثي في لقائه مع المبعوث الأممي جمال بن عمر أقنعه بهذا التفسير ، وقال له : لولا الخشية من سوء الفهم لما أمرت بنزع الشعار من شوارع صعدة أثناء زيارتكم ! 4 وهنالك من رأى أن التفسيرات السابقة على ما لها من شواهد تاريخية ولغوية هي غير صحيحة ، ولا يمكن أن يكون السيد الحوثي قد قصدها ، ويرى هؤلاء أن ( أميركا ) و ( إسرائيل ) ليست سوى مصطلحات رمزية يطلقها السيد الحوثي على بعض المحافظات اليمنية من باب التمويه وحتى لا تنكشف خططه العسكرية ! فهو قد يقصد بأمريكا صعدة ، وقد يقصد بإسرائيل دماج ، وربما قصد بأمريكاالجوف ، وبإسرائيل حجة ! وهذا التفسير على غرابته هو الآخر قد يبدو منطقياً ، لأن الواقع يؤيده ! وإلى أن يتكرم السيد الحوثي بتفسير شعاره المحير تفسيراً منطقياً ومقبولاً ، ستبقى الاجتهادات تتوالى .. وعليه أن لا يغضب إذا لم ترق له بعض التفسيرات ، بل عليه أن يشكر أصحابها ، لأن كل هذه التفسيرات تحاول أن تبرر له التناقض الواضح والفاضح بين شعاره وسلوكه .. [email protected]