لا شك أن تعز عاشت فصولاً من قصص الرعب وأفلام العنف طيلة الشهور الماضية التي تلت تعيين العميد عبدالله قيران في منصب مدير أمنها ، فمنذ تعيينه مديراً (للأمن) حل (الخوف) في هذه المدينة المسالمة المثقفة ، والتي واجهت البندقية بالكتاب ، والمدفعية بالقلم ، مما أجبر القتلة المستأجرين على الانتحار على أبوابها ، أو العودة من حيث أتوا ، حاملين حقدهم في قلوبهم ، حاشرين أنفسهم في زاوية المعاناة النفسية الضيقة التي تسببها تعز لكل من يحاول إذلالها !. ولأن قطار حياة اليمن عموماً بدأ بالعودة إلى سكته الصحيحة بعد زوال كثير من العوائق من أمامه ، فقد كان لا بد من تصحيح مسار قطار الأمن في تعز ، المدينة التي تعيش دائماً في أمن وأمان حتى بدون مدير أمن ، لكن مجيء شخصية مثل قيران ، واجتماعها بشخصيات من جنسها ونفس فصيلتها أمثال العوبلي وضبعان والحاشدي أجبر هذه المدينة على الخروج عن عهدها ، فعاشت تعز أياماً حل فيها الخوف بأبشع صوره ، وانتشرت في أرجائها الفوضى ، وبناءً على المعطيات الحالية التي تتجه بالبلاد إلى الانفراج بعد أن كانت اليمن (في عنق الزجاجة) أو (على كف عفريت) كما يقال فإن تعيين العميد علي السعيدي كمدير لأمن محافظة تعز يعتبر خطوة مهمة في إعادة الأمن الحقيقي إلى تعز ، وليس الأمن الذي كان يتحدث عنه قيران ، والذي كنا نشاهده على شكل قذائف تهطل على منازل الناس وممتلكاتهم ، وعلى شكل زخات من الرصاص الحي من مختلف أنواع البنادق والأسلحة الرشاشة تقطع صمت الليل الساكن لتحيل ليل تعز إلى جحيم ، خاصة مع اختلاطها مع بكاء الأطفال وعويل النساء ونحيب الأرامل وأنين الجرحى !. العميد علي السعيدي رجل نزيه ، وطني ، شريف ، قوي وحكيم ، يمتلك مواصفات كثيرة تؤهله للإمساك بقبضة الأمن في تعز بكل كفاءة واقتدار ، وهذا هو ما تحتاجه تعز بعد أشهر من المعاناة الدائمة الرهيبة ، ولا شك أن التحديات التي ستواجه (السعيدي) كبيرة ، وأن الكثير من العوائق ستظهر أمامه في طريق إعادة الأمن إلى حقيقته في تأمين تعز وليس تخويفها كما كان يفعل سيئ الذكر قيران ، فالمهمة الأصعب والأهم في عمل (السعيدي) ستكون في بناء (جسور) من الثقة بين إدارة الأمن وبين المواطنين ، وذلك بعد شهور من الخراب الذي تسبب به (الفأر) قيران ، والذي كان كالفأر الذي خرَّب سد مأرب ، سيكون على (السعيدي) مهمة شاقة في إقناع الناس بأنه مدير أمن حقيقي ، وذلك من خلال أعماله ، بعد أن رأوا من مدير الأمن السابق عين الخوف الجهنمية ، والتي أذاقتهم كل أليم ، وعرَّفتهم على مختلف أنواع وأصوات الأسلحة التي كانت قذائفها تتساقط عليهم من كل حدب وصوب ، فأفقدت كثيرين منهم أقرباءهم وأحبابهم ، مما جعلهم يرون في منصب مدير الأمن أكبر خوفٍ وأشد خطر يحدق بهم !. فهل سيكون (السعيدي) باباً تسعد من خلاله تعز بعد شهور عديدة من المعاناة والشقاء والتعب والبكاء والدموع الحارة التي لم تكن لتجف عن البكاء على حبيبٍ حتى تفقد آخر ، وهل سيعيد (السعيدي) للأمن هيبته ومكانته ودوره الحقيقي في خدمة المواطن وضمان أمنه واستقراره ، هذا ما أتمناه ، وما أكاد أن أجزم به ، فسجل الرجل النظيف يوحي بأن (اليسر) قد أتى بعد (العسر) ، وأن (الفرج) قد جاء بعد (الشدة) ، وأن (الرخاء) قد حل بعد أشهر من (الضيق) ، وستثبت لنا الأيام ذلك ، وستسعد تعز حتماً ومن دون أي شك!. [email protected]