تمثل الإدارة الفعالة حجر الزاوية والركيزة الأساسية لبناء الدولة المدينة الحديثة والنهوض بها في مختلف المجالات, والإدارة تعني ببساطة الاستغلال الأمثل للإمكانيات والموارد المتاحة لتحقيق الأهداف المطلوبة بكفاءة سواء على مستوى مؤسسات الأعمال “إدارة الأعمال“ أو على مستوى الدولة والمؤسسات العامة “الإدارة العامة“ وذلك من خلال الوظائف الرئيسة للإدارة والمتماثلة بالتخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة والتنسيق لمختلف الجهود والأنشطة داخل المؤسسة. ولعل السبب أو العامل الرئيسي والهام من وجهه نظري في تحقيق نهوض وتقدم الدول والمجتمعات أو تخلفها يتمثل في الإدارة. فالدول المتقدمة وصلت إلى ما وصلت إليه من تطور في مختلف الجوانب الحياتية والتنموية بفضل استغلالها الأمثل لمواردها وإمكانياتها المتاحة في تحقيق التقدم والنهوض الاقتصادي وتحقيق الرفاهية لمجتمعاتها, وهو ما يعنى الإدارة الفعالة للدولة. وفي الاتجاه الآخر فإن سبب تخلف وتأخر العديد من الدول “النامية” بشكل أساسي يعود إلى سوء الإدارة للإمكانات والموارد المتاحة لهذه الدول وانتشار آفة الفساد الإداري في معظم أجهزتها الإدارية. ولأني من المعجبين بطريقة إدارة الدولة المدنية الحديثة في تركيا بقيادة رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان فقد أدهشني ما ذكره أردوغان في مقابلته التلفزيونية مع المذيعة المتألقة منى الشاذلي في برنامج الساعة العاشرة بقناة دريم الفضائية خلال زيارته لمصر أواخر العام الماضي، حين سألته المذيعة عن سر نجاحه في تحقيق التطور والنهوض السريع لمدينة اسطنبول عندما كان رئيساً لبلديتها خلال منتصف التسعينيات. ونجاحه الحالي في الانتقال بتركيا إلى مصاف الدول المتقدمة في مختلف المجالات، حيث أشار أردوغان إلى أن العامل الأول لنجاحه في إدارة الدولة هو مكافحة واستئصال داء الفساد الإداري وتطهير مؤسسات الدولة من كل أشكال ومظاهر الفساد والتركيز على الإدارة الفعالة للدولة والتي تتضمن من وجهة نظره ثلاثة عناصر أساسية هي إدارة العلم، إدارة المال، إدارة البشر, وأضيف إلى هذه العناصر الثلاثة التي ذكرها أردوغان لإدارة الدولة عنصراً رابعاً ومهماً في نظري وهو إدارة التكنولوجيا. هذه العناصر الأربعة بحد ذاتها بالإضافة إلى مكافحة استئصال الفساد ومن كل أجهزه ومؤسسات الدولة كفيلة من وجهه نظري لإحداث التقدم والنهوض والتطوير في أية دولة ومجتمع. فإدارة العلم تعني ببساطة الاستغلال الأمثل لمخرجات التعليم وأفكار العلماء والباحثين ونتائج البحث العلمي لخدمة أهداف التنمية وهذا يعتمد أو يتطلب في المقام الأول التركيز على جودة التعليم بمختلف مراحله ومؤسساته, والاهتمام بالبحث العلمي وتوجيهه في خدمة خطط ومسارات التنمية الشاملة في الدولة. وإدارة المال تعني ببساطة الاستغلال الأمثل للموارد المالية المتاحة للدولة وتوجيهها فيما يخدم ويحقق أهداف التنمية الشاملة في الدولة, وهذا يتطلب الاهتمام بتنمية إيرادات الدولة والحفاظ عليها وترشيد النفقات العامة في الدولة بالشكل الذي لا يؤثر على حياة المواطنين وعملية التنمية الشاملة فيها. وإدارة البشر تعني ببساطة الاستغلال الأمثل للكوادر البشرية والمهارات المتاحة في الدولة بالشكل الذي يحقق أهداف التنمية ويفجر الطاقات الإبداعية والاقتصادية للبشر في تحقيق التقدم النهوض للدولة في مختلف المجالات. وهذا يتطلب الاهتمام بالعنصر البشري وتنميته علمياً وعملياً وصحياً ووطنياً وتوفير البيئة المناسبة له لأداء مهامه والإبداع في عمله دون منغصات في معيشته ومحيط عمله. وإدارة التكنولوجيا تعني ببساطة الاستغلال الأمثل للأساليب والوسائل التكنولوجية الحديثة في إدارة شؤون الدولة وتنفيذ وإدارة العديد من المهام والوظائف والأنشطة والخدمات المرتبطة بعمليات التنمية, وإدارة مؤسسات الدولة من خلال توظيف الوسائل والأساليب التكنولوجية الحديثة يتطلب أولاً تنمية وعي ومهارات موظفي الدولة والعاملين في مختلف مؤسساتها بالتكنولوجيا الحديثة وكيفية استخدامها لتسهيل وتفعيل أداء مهامهم. وتنمية وعي المجتمع بأهمية التكنولوجيا والتعامل معها. ورفد أجهزه ومؤسسات الدولة بأحدث الأجهزة والأنظمة والبرامج والتطبيقات التكنولوجية في مختلف المجالات. ولاشك أن البنية التحتية اللازمة لنجاح وتفعيل هذه العناصر الأربعة في إدارة الدولة تتطلب إزالة واستئصال الفساد بكل أشكاله ومظاهره وعناصره من مختلف أجهزه ومؤسسات الدولة لكي تمثل هذه الأجهزة والمؤسسات بيئة نظيفة وسليمة ومهيأة لممارسة مختلف عناصر ومهام الإدارة الفعالة للدولة بالشكل الذي يحقق أهدافها في النهوض والتقدم بالدولة في مختلف المجالات. (*)أستاذ التسويق المساعد جامعة تعز [email protected]