أدهشتني جداً الأفكار التي طرحها العالم المصري والعربي الكبير الأستاذ الدكتور أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 1999م, لتحقيق النهوض والتقدم الاقتصادي لمصر حتى تصبح في مصاف الدول المتقدمة خلال السنوات القادمة, مستفيدا من تجارب الهند وماليزيا في هذا الجانب. هذه الأفكار تتمحور حول ضرورة تركيز الحكومة المصرية اهتمامها خلال الفترة القادمة على تنمية وتفعيل البحث العلمي والاستفادة من معطيات التقدم التكنولوجي في تحقيق النهوض بالقطاع الصناعي والتجاري في مصر, وعدم الاهتمام أو التركيز فقط على الجوانب المعيشية والمشكلات اليومية للمواطن المصري وكذلك الجوانب السياسية والاجتماعية الأخرى. ويرى الدكتور زويل أن تركيز الدول والحكومات العربية على الهم المعيشي لمواطنيها والأمور السياسية والقضايا الاجتماعية على حساب الاهتمام بالبحث العلمي والاختراع والتصنيع والتكنولوجيا يعد السبب الرئيسي في استمرار هذه الدول في دوامة التخلف والعجز عن اللحاق بركب الحضارة والتقدم والنمو في عالم اليوم. وقد بلور الدكتور زويل هذه الأفكار في مشروع من عدة مراحل تم عرضه على رئيس الوزراء المصري الدكتور عصام شريف. يتضمن هذا المشروع إنشاء مدينة تكنولوجية تشمل جامعة تكنولوجية متخصصة تتضمن أحدث التخصصات العلمية والتكنولوجية وفق معايير عالمية ومزودة بكافة الإمكانات والمعامل والتجهيزات الحديثة والمتطورة وتستقطب هذه الجامعة الطلاب المتميزين والمتفوقين من مخرجات الثانوية العامة لتزويدهم بأحدث المعارف والمهارات العلمية والتطبيقية والبحثية ضمن تخصصات الجامعة خلال فترة دراستهم بالجامعة, بحيث يتخرج هؤلاء من الجامعة وينتقلون إلى المرحلة الثانية من هذا المشروع وهي العمل في مراكز أبحاث علمية نظرية كل في مجال اختصاصه للقيام بأبحاث علمية متخصصة في المجالات الصناعية والعلمية المختلفة. بعدها ينتقل هؤلاء إلى تطبيق نتائج أبحاثهم في مراكز متخصصة تطبيقية وهي المرحلة الثالثة من المشروع وهذه المراكز يتم إعدادها وتجهيزها والإشراف عليها بالتعاون بين الحكومة والقطاع الصناعي لأن هذا القطاع هو الذي سوف يستفيد من نتائج هذه الأبحاث بعد ثبوت نجاحها ويترجم هذه النتائج إلى منتجات صناعية متقدمة تنافس المنتجات العالمية. وقد أطلق على هذه المراكز البحثية والتطبيقية بالمراكز المضيئة لأنها بعملها وأبحاثها وتجاربها ومخرجاتها سوف تضيء دروب التقدم والنهوض لمصر خلال الفترة المطلوبة وتنقلها من إطار الدولة المستوردة والمستهلكة لمنتجات الآخرين إلى دولة صناعية تنافس بمنتجاتها الدول الأخرى. والحقيقة أن هذا المشروع والأفكار التي تضمنتها للنهوض الاقتصادي والصناعي بمصر يحتاج إلى إرادة قوية وعزم حقيقي لتجسيده على أرض الواقع من قبل كل الأطراف والجهات ذات العلاقة على مستوى الحكومة والمجتمع والقطاع الخاص في مصر وهو ما يمكن أن نلمسه ونطمئن إلى توافره بعد ثورة الشباب في مصر وفي ظل التوجه الحالي للحكومة المصرية برئاسة الدكتور عصام شريف للنهوض بالاقتصاد المصري. وأعتقد من وجه نظري أن هذا المشروع إذا ما كُتب له النجاح في مصر يمكن أن تتبناه وتستفيد منه بقية الدول العربية ومنها بلادنا في المستقبل القريب إن شاء الله فهو ليس بالمستحيل أو الخيالي الذي لا يمكن تحقيقه. لأن هنالك دولاً كانت تعاني إلى عهود قريبة من مشكلات اقتصادية معقدة واستطاعت خلال فترة قصيرة تحقيق التقدم والنهوض الاقتصادي بفضل تبنيها لمشاريع مماثلة لهذا المشروع ولعل أبرز هذه الدول كما أشرت سابقاً الهند وماليزيا. ولهذا لا يمكن أن يكون هناك مستحيل أمام تبني أية تجارب أو مشاريع للنهوض والتقدم ببلادنا إذا ما توافرت لدينا جميعاً الإرادة والعزيمة والإصرار والرغبة الحقيقية في تحقيق النهوض والتقدم لبلادنا وهذا يتطلب منا في المقام الأول تنمية وتعزيز حبنا وولائنا لهذا الوطن الغالي وتغليب مصلحته العليا على مصالحنا الضيقة كأحزاب ومنظمات وأفراد. ثم الأخذ بأسباب النهوض والتقدم ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الاهتمام بالتعليم وفق أحدث التطورات التكنولوجية, وتحديث وتطوير الإدارة والقضاء على البيروقراطية والفساد الإداري, وترسيخ ثقافة حب العمل وخدمة الوطن لدى الجميع, والاستغلال الأفضل للموارد والإمكانيات المتاحة, والاستفادة من التجارب الناجحة في تحقيق النهوض والتقدم الاقتصادي للعديد من الدول المتقدمة .. واختتم مقالتي بما أشار إليه الدكتور زويل من أن الطريق نحو النهوض والتقدم ليس طويلاً كما يُصور للبعض, لأنك لا تحتاج إلى عشرات السنين حتى تحدث نقلة من التخلف إلى التقدم, كما أن الفرصة لم تفت كما يحلو لليائسين أن يصوروا الأمر, لقد فعلت اليابان والصين ذلك في سنوات, وفعلتها النمور الآسيوية وأيرلندا في سنوات. وعندما تم توجيه سؤال للسيد مهاتير محمد قائد النهضة الماليزية السابق عن السر قال: أن تجعل الشعب كله يفكر في المستقبل, وحيث وجه السؤال نفسه للسيدة روبنسون رئيسة أيرلندا السابقة قالت إنه شيء واحد.. التعليم. (*) أستاذ التسويق المساعد جامعة تعز [email protected]