يتحدث الكثير من الناس اليوم سواء في بلادنا أو في العديد من البلاد العربية عن الحاجة إلى وجود أو قيام وتحقيق الدولة المدنية الحديثة, دون إدراك ووعي بعض هؤلاء بما هي الدولة المدنية الحديثة ومقومات ومتطلبات تحقيقها في ظل الأوضاع والظروف والمتغيرات والتحديات الداخلية والخارجية التي تمر بها وتواجهها بلادنا والعديد من البلاد العربية في الوقت الراهن. ولا شك أننا جميعا نطمح إلى قيام وتحقيق الدولة المدنية الحديثة في واقعنا المعاصر، لكن السؤال الذي يضع نفسه ما هو مدلول هذه الدولة؟ وما هي خصائصها ومقومات أو متطلبات تحقيقها ونجاحها؟ ورغم أن الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى سلسلة من المقالات لكني سأكتفي هنا بطرح بعض الأفكار والخطوط العريضة لمدلول الدولة المدنية الحديثة ومتطلبات تحقيقها من وجهة نظري كمواطن يمني وعربي. وبعيداً عن تعريفات علماء وخبراء السياسة والقانون الدولي لمدلول الدولة المدنية الحديثة, فإن الدولة التي أحلم بها وأتطلع إلى العيش في ظلها تعني من وجهة نظري كمواطن مجموعة متناسقة من الهيئات والمؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية.. تديرها قيادات متخصصة نزيهة وأمينة ومخلصة تحرص كل الحرص على مصلحة الوطن وتنميته وتقدمه وأمنه واستقراره وتسخر جل اهتمامها لخدمة أبناء هذا الوطن في شتى المجالات, وفق منظومة متكاملة من القوانين والتشريعات والنظم والسياسات والإجراءات والأساليب والوسائل الحديثة والمتطورة وفي إطار دستور واضح وشامل ومحدد يرتضيه الجميع ويحتكم إليه .. ويضمن لكل أبناء المجتمع الحرية والكرامة والعدالة والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات.. وينعم الجميع في ظل هذه الدولة بالأمان والاستقرار والعيش الرغيد والحياة الكريمة.. ويسهم الجميع كفريق عمل واحد في التنمية والنهوض بالوطن وحمايته والحفاظ على وحدته وآمنه واستقراره. ولتحقيق وترسيخ ونجاح الدولة المدنية الحديثة لابد من توافر العديد من المقومات أو المتطلبات الضرورية, أبرزها من وجهه نظري أن يترسخ حب الوطن والانتماء إليه في قلوب وسلوك وممارسات كل أبنائه بحيث يجعل الجميع حكامًا ومحكومين, قيادات وأحزابًا ومنظمات سياسية واجتماعية, مصلحة الوطن العليا فوق أي مصالح شخصية أو سياسية أو حزبية أخرى . وأن يمتلك الجميع درجة عالية من الوعي الوطني وتعم ثقافة الالتزام بالنظام واحترام القوانين والإخلاص في العمل والحرص على مصلحة الوطن وتنميته كل أبناء الوطن وفي مختلف أرجائه. وأن تنتشر المؤسسات التعليمية والثقافية والمؤسسات الصحية في كل أنحاء الدولة لينعم الجميع بالعلم والثقافة والصحة كمقومات أساسية لنهضة الشعوب وتقدمها . بالإضافة إلى تبني ومواكبة أحدث وأفضل الطرق والأساليب في الأداء والإدارة والإنتاج والتعليم والاستغلال الأمثل للإمكانات والموارد المتاحة في الدولة . وتحديث وتفعيل إجراءات ونظم وأداء الأجهزة القضائية والرقابية في الدولة. وتهيئة المناخ الآمن والمناسب لنمو وتدفق الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية في الدولة بما يعود بالنفع والخير الوفير على كل أبناء الوطن في شتى المجالات الحياتية والمعيشية . والانفتاح على العالم للاستفادة من التجارب الناجحة في النهوض والتقدم والتنمية وبناء الدولة المدنية الحديثة في دول ومجتمعات سبقتنا في هذا الاتجاه. وختاماً أقول بأننا في يمن الإيمان والحكمة نمر اليوم بظروف وأحداث خطيرة يمكن أن تعود ببلادنا قرون إلى الوراء إذا لم نعالجها ونتجاوزها بحكمة ونغلب مصلحة اليمن فوق أي حساب ومصالح أخرى مهما كانت . ونتكاتف جميعا لتحقيق الدولة المدنية الحديثة بأسلوب ديمقراطي حديث وحضاري يقوم على الحوار والتفاهم والمشاركة الجماعية بين جميع الأطراف ومختلف أطياف العمل السياسي على الساحة الوطنية على أسس متينة من الثقة والتعاون والحرص المشترك على مصلحة الوطن العليا ووحدته وتقدمه وأمنه واستقراره. فالوطن يتسع للجميع والدولة المدنية سينعم بخيرها الجميع لذلك لابد أن يسهم في تحقيقها وتجسيدها على أرض الواقع وحمايتها جميع أبناء الوطن لأنها أكبر من أن يحققها أشخاص أو فئات أو قوى سياسية بعينها. (*)أستاذ التسويق المساعد جامعة تعز [email protected]