انتهت الانتخابات الرئاسية بنجاح فاق معظم التوقعات, وبدأت المرحلة الانتقالية لاستكمال نقل السلطة وبناء الدولة بقيادة المشير الركن عبدربه منصور هادي الذي أجمعت عليه معظم الأطراف والقوى السياسية على الساحة اليمنية خلال هذه الانتخابات وفقاً لبنود المبادرة الخليجية لحل الأزمة السياسية في الجمهورية اليمنية. وبالنظر إلى محدودية الفترة الزمنية للمرحلة الانتقالية والمتمثلة بعامين فقط ومقارنتها بحجم المشاكل والمعوقات والتحديات التي تواجه الرئيس الجديد عبدربه منصور هادي والتي أفرزتها الأزمة السياسية والأحداث والتداعيات التي رافقتها خلال الفترة الماضية وما نجم عنها من تأثير سلبي في مختلف الجوانب الاقتصادية والمعيشية والسياسية والأمنية والاجتماعية على الساحة الوطنية, فإن نجاح الرئيس هادي في العبور بالوطن إلى بر الأمان والتمهيد لبناء وتعزيز الدولة المدنية الحديثة يتطلب منه وضع برنامج فعال لتحقيق ذلك في إطار الفترة الزمنية المحدودة (عامين) يركز فيها على معالجة العديد من القضايا والمشاكل التي يمر بها الوطن وفق أولويات معينة تستند إلى مدى أهمية وخطورة وتأثير كل قضية أو مشكلة منها على أمن ووحدة واستقرار الوطن أولاً ثم وضع ومعاناة أبناء الوطن المعيشية والحياتية ثانياً. وأخيراً مستقبل وتطور الوطن في مختلف المجالات. ومن وجهه نظري أرى أن أبرز القضايا والمشاكل التي يجب أن تعطى الأولوية في الاهتمام والحل والمعالجة ضمن برنامج الرئيس هادي خلال المرحلة الانتقالية تتمثل في الآتي: أولاً: القضية الجنوبية: باعتبار أن إهمال أو تأخير معالجة هذه القضية يمكن أن يهدد وحدة الوطن ويعيدنا إلى حالة الفرقة والشتات والصراعات التي عاشها أبناء الوطن في الشمال والجنوب قبل تحقيق الوحدة اليمنية العظيمة في الثاني والعشرين من مايو يناير 1990م. ولا شك أن الحل الأمثل لهذه القضية يجب أن يتم من خلال الحوار بين جميع الأطراف السياسية وفق قاعدة الحرص على وحدة الوطن من جميع الأطراف تحت أية صيغة أو شكل للوحدة يرضي الجميع ويحقق طموحات أبناء الوطن في الشمال والجنوب. ونبذ دعوات فك الارتباط والانفصال والاعتبار بما يحدث الآن بين جنوب وشمال السودان من فتن ومشاكل تهدد بحرب طويلة الأجل بين الدولتين. ثانياً: قضية إعادة هيكلة الجيش وتوحيده باعتبار الجيش صمام أمان الوطن والحارس الأمين لوحدته ومكتسباته، وأي تصدع في المؤسسة العسكرية والأمنية سيهدد أمن الوطن ووحدته وأمنه واستقراره. وسيقود البلاد إلى هاوية النزاع والصراع والحرب الأهلية بين أبناء الوطن الواحد. وبالتالي يجب إعادة هيكلة الجيش بالشكل الذي يجعل منه جيشاً واحداً قوياً متماسكاً، ولاؤه لله ثم للوطن وليس لأي شخص أو فئة أو حزب مهما كان. فالجيش جيش اليمن وحارسها الأمين وبوحدة هذا الجيش وقوته وتماسكه ننعم جميعاً بالأمان والاستقرار والاطمئنان. ثالثاً: القضية الحوثية: باعتبار أن حل هذه القضية يعزز الأمن والاستقرار في الوطن ويطوي صفحة أثارت الكثير من الجدل وقضية راح ضحيتها العديد من شباب وأبناء هذا الوطن الغالي. وهددت النسيج الاجتماعي الواحد لأبناء هذا الوطن. ولا شك أن حل هذه القضية بشكل فعال لن يكون إلا من خلال الحوار الوطني الجاد والمسئول بين مختلف الأطراف والقوى ذات العلاقة في الداخل والخارج. وفي إطار الثوابت الوطنية ومصلحة الوطن العليا. رابعاً: قضية الشباب أو متطلبات الشباب الذين خرجوا إلى الساحات في الحادي عشر من فبراير سنة 2011م ومازالوا في الساحات حتى اليوم وكانوا العامل الأساسي في إحداث هذا التغيير على الساحة السياسية. فمازالت هنالك العديد من المتطلبات أو الأهداف التي يطمح هؤلاء الشباب إلى تحقيقها في طريق الانتقال إلى الدولة المدنية الحديثة، لذلك يجب الاستماع إلى هؤلاء الشباب والحوار معهم وتحقيق متطلباتهم وإشراكهم بفعالية في الحياة السياسية، لأنهم حاضر ومستقبل هذا الوطن. تلك هي أبرز القضايا ذات الأولوية في المعالجة والاهتمام العاجل من قبل الرئيس عبدربه منصور هادي خلال الأيام والأشهر القادمة، ومعظم هذه القضايا يتطلب معالجتها حوار وطني شامل بين مختلف القوى والأطراف السياسية والاجتماعية ذات العلاقة على الساحة الوطنية. مما يعني ضرورة الإعداد والدعوة المبكرة إلى مؤتمر الحوار الوطني والمصالحة الوطنية، لمناقشة هذه القضايا والخروج برؤية مشتركة ومعالجات فعالة لمختلف هذه القضايا, تمهيداً للمشروع في بناء وتعزيز الدولة المدنية الحديثة، ومعالجة كافة المشاكل والاختلالات التي حدثت في البنية التحتية والاقتصادية والعمل بروح الفريق الواحد من أجل النهوض بالوطن في مختلف المجالات. وفّق الله رئيسنا الجديد المشير عبدربه منصور هادي وحكومته الانتقالية وجميع القيادات والقوى الخيّرة على الساحة اليمنية لما فيه تحقيق الخير والتقدم والنماء والأمان والاستقرار لهذا الوطن الغالي, إنه ولي ذلك والقادر عليه. (*)أستاذ التسويق المساعد جامعة تعز [email protected]