لاشك أن اليمن تمر بمنعطف صعب وخطير، ومرحلة هامة وفاصلة في تاريخها المعاصر، في ظل ثورة شعبية سلمية أجبرت النظام على الانصياع لإرادة الشعب والتخلي عن السلطة.. وإذا كنا قد تجاوزنا بعض مراحل الخطر، بفعل ثورة فبراير السلمية والتي أنهت وطوت صفحة سوداء من تاريخ حكم الفرد والأسرة والاستبداد، ليس بذلك النجاح الذي كان يحلم به، والتغيير الذي يبتغيه، وإن كان صدى التغيير والثورة قد عم أرجاء البلاد. إلا أن ممكنات الخطر ماتزال قائمة خوفاً على مصير الثورة وطبيعة وشكل النظام الجديد وكيفية بناء الدولة ومؤسساتها.. ومستقبل اليمن الذي نحلم به آمناً وسعيداً.. للولوج إلى مرحلة اليمن الجديد يجب أن تكون الخطوات الأولى نحو البناء صحيحة ومدروسة، حتى لا تتعثر أقدامنا عند أول معضلة تواجهنا، وطالما قد وضعنا أقدامنا في الطريق السوي فلا تشغلنا الخلافات والتباينات في الآراء عن مواصلة مشوار البناء والتحديث. ولكي نبني اليمن الذي ننشده، نريد بناء الدولة أولاً ونريد الدولة أن تكون مدنية.. فالدولة المدنية القائمة على الشراكة الوطنية، والمواطنة المتساوية والعدالة، والكرامة هي التي ستحقق التنمية والنهضة الشاملة. نريد الدولة المدنية التي تهتم بالإنسان أولاً وأخيراً.. وتبني دولة المؤسسات، وتصون الحريات، وتفرض هيبة النظام، وسيادة القانون، لا سلطة لأحد مهما كان فوق النظام والقانون. دولة مدنية ترسخ قيم الديمقراطية، وتحترم مبدأ التداول السلمي للسلطة قولاً لا فعلاً.. تفصل بين السلطات، والاختصاصات، وتنشئ نظاماً يعالج مشاكلنا ويحفظ اليمن موحداً.. وليس هذا بغريب ومستحيل على أبناء اليمن، فالشعب الذي قدم أعظم صورة من صور الحرية والنضال السلمي، وأنبل وأطهر شباب الثورة الذين أزاحوا ستار الظلام والحزن، وأقنعة الزيف والخداع عن وجه اليمن لتبدو جميلة في عيون العالم كجمال ثورتهم السلمية.. والشعب الذي دخل الساحات متسلحاً بسلاح الحكمة والمنطق، رافضاً منطق السلاح، رغم امتلاكه فنونه وأدواته، هذا الشعب قادر اليوم بتكاتف كل الشرفاء والأحرار فيه، وكل القوى السياسية الوطنية البدء في بناء اليمن الجديد، والوصول به إلى مصاف التقدم والازدهار.. فاليمن لا تحتمل أكثر مما مضى، ولنبدأ بعهد البناء، وندع الماضي وراءنا، ونكبر بكبر اليمن، ونتسامى فوق جراحنا، ونتغلب على أهوائنا الشخصية والحزبية، لنرى اليمن يكبر في عيون الآخرين.. ومرحلة البناء بحاجة إلى التصالح والتسامح، لا الأحقاد والانتقام، إلى الأمن والاستقرار إلى الشراكة والتوافق الوطني.. لا الإقصاء والتهميش وهذا ما يجعلنا نحلم بيمن خالٍ من الفساد والإفساد، خال من ثقافة الكراهية والتعصب والتسلط والاستبداد، يمن لا مكان فيه للمناطقية والتبعية الحزبية العمياء، والموروثات القبلية المقيتة. وإذا أردنا يمناً متطوراً ومزدهراً، يجب أن تكون ميزانية التعليم في المرتبة الأولى، لأن التعليم وحده كفيل بها أن يسلك بنا طرق المجد والتقدم.. وإذا أردنا يمناً موحداً وقوياً، يجب أن ننشئ جيشاً وطنياً يحمي المواطن أولاً والوطن ثانياً، وهذا لن يكون إلا بهيكلة الجيش على أسس النزاهة والكفاءة، بعيداً عن الولاءات القبلية والمناطقية. فالأوطان لا تبنى بالضغائن والمماحكات، ولا بالكلام والأزمات وفي ظل الصراعات والتكتلات والانقسامات.. بل تبني بالتوحد والتآلف التصالح والتعاضد.. وأخيراً لن يبني اليمن إلا أبناؤه في شراكة حقيقة جادة دون استثناء، وحوار حقيقي شفاف يعالج مشاكل اليمن كلها التي ورثناها عن النظام السابق.