عندما تصبح للحقيقة وجهان متماثلان في الشكل والصفات وحتى الأهواء.. تتمحور من بين قوالبها المخفية المسميات واللامسميات.. قد تنقلك فجأة إلى مرحلة من مراحل الزمان لتكون كالدمية تعبث بك مراياك من كل الاتجاهات.. تدفعك لأنْ تقف عند وتر غير تلك الأوتار.. تخالل أشعة سهامها الاختلافات.. وتتوارى عند أقطابها مدارك التمييز بانحسار وعلى استحياء. الاختلاف: سنّة الكون والإنسان على السواء وعنوان لكل الكائنات.. والمعاني الرائعة تسطر حروفها أقلام شامخة وتُجدّف قواربها سواعد فتية.. وبين المعاني العظيمة والأحداث مواقف متباينة ومترادفة، والتباين سر الله في الخلق.. في حين تلكم المواقف لا تُحدث نفسها بذاتها بقدر ما تحدثها تقلبات الأزمان وتغيرات الأكوان المفاجئة وغير المفاجئة.. تحقيقاً لسنّة التدافع الكوني، التي تتدافع بالفرد منا دفعاً لا شعورياً، تنزف معه الأقلام وتتحرر معه الحروف وتنحت اللوحات.. وهكذا قد تجد حالك على مسرح الحياة لتصبح شريكاً فاعلاً في صناعة أحداثها بمختلف اتجاهاتها شئت أم أبيت. والشاهد في القضية قبول الرأي والرأي الآخر، ويكون من الأهمية بمكان إيجاد هامش من مساحة تحتويها وتحتويك، تنطلق من محورها منارة بيضاء للتعايش مع الآخرين بمختلف آرائهم واتجاهاتهم على رقعة سمحة خصبة غنية سخية بعناصر البناء.. فيحدث التلاقح وتنضج الأفكار وتتدفق الحياة بنبضها وقوتها وتسمو المعاني وتزدهر الآراء ويتحقق الإبداع المنشود.. شريطة أنْ يتم ذاك تحت مظلة الالتزام بالقواعد الشرعية واحترام الرأي الآخر.. مع اعتبار متميز للذوق العام دون تعصب أو تجاوز أو استفزاز والتي تعد من أهم الأساسيات التي تنمي الحس الحضاري وترتقي بالحس الذوقي والفني على مستوى الفرد والجماعة في أية بيئة وفي أي مجتمعٍ من المتجمعات. لوّن حياتك من حقول الألوان وحدائق الأزهار نحلّق في عالم الجمال والتباينات.. وكما أنّ الألوان رمز للجمال رمز للبهجة تكون أيضاً رمزاً للاختلافات بتعدد ألوانها ومسمياتها.. هناك على ضفاف الألوان وتلالها حين تتمرجح بنا نسماتها ويعبث بمشاعرنا عبقها وهمساتها تغرينا بحسنها، تغرينا بدلالها، تغرينا بأريجها بجاذبيتها وترسل إلينا أطيافها لتداعبنا وتشاكسنا كسحابات هائمة يسترسلها السناء. لوّن حياتك: كلمة فيها دعوة للجديد.. دعوة للمخالفة دعوة لكسر الروتين المألوف دعوة لدخول مضمار التباين والحركة باتجاهاتها المختلفة والحيوية.. ماذا لو كل شيء أصبح لوناً واحداً؟ بالتأكيد سيفقد كل شيء مذاقه، وسيصبح كل ما حولنا مملاً غير مرغوب، وفي هذا ندرك عظمة هذه النعمة التي حبانا الله بها والتي تستوجب منا عظيم الشكر والامتنان لوجودها وهي تعدد الألوان.. لو رسمنا في مخيلتنا مشهداً فيه البحر والسماء والشجر، الأرض والجبال والإنسان وكل ما حولنا بلون واحد كيف سيكون أثرها في نفوسنا وأين سيكون وقعها.. تخيّل تلك الطبيعة المنفردة بلون واحد ما مدى تأثيرها على نفسك وعلى مذاقك وكل حياتك بالتأكيد كل شيء سيفقد مذاقه في نفوسنا وفي حياتنا، وبالتأكيد سيرافق ذلك تبلداً وتجمداً في الحس الفني والتذوق الجمالي لأنه سيفتقد المنشطات والعوامل التي تمنحه الحياة والتي تعمل على استدعائه وتنشيطه، وعلى أثره سيتولد تجميد لحركة الحياة وكل أنواع الجمال بكل تداعياتها، ونحن بالتأكيد سنرفض أحادية اللون ولن نقبل بلون واحد لأن فيه دعوة للجمود والتبلد والملل. وبنفس الحجم ومن نفس الأسباب التي رفضنا منها أحادية اللون نرفض أحادية الرأي فلن نقبل بالرأي الواحد لأنه سيكون فيه أيضاً دعوة للجمود والتبلد والملل، وهنا ندرك عظيم حاجتنا لتعدد الآراء والأفكار والاعتراف بالرأي والرأي الآخر.. وكما استشفينا وأدركنا أهمية الألوان وأهمية اختلافها، ومن نفس المنطلق نكون قد أدركنا وميزنا أهمية الآراء المتعددة وأهمية اختلافها وتعدد اتجاهاتها. وقفة: لوّن حياتك: هو مسمى لدورة تدريبية كانت جداً ممتعة، جداً جميلة.. تتحدث عن الألوان ومشتقاتها وجمالها وأثرها في حياتنا بشكل عام قدمها لنا أستاذ قدير حقيقة كان مثالاً في النبل مثالاً في الأدب والذوق، نكن له كل التقدير والاحترام ولأن أستاذنا الكريم قد عقّب على أحد مقالاتي السابقة لاختلاف الرأي، فأحببت أن أطرق موضوع الاختلاف وأقول له الاختلاف سنّة الكون وناموس الحياة وهو مرتكز أساسي لاستمرار حركة الحياة وتدفقها وبقائها.. والاختلاف يتحقق في الكون كله ضمن سياج متناغم على قاعدة احترام شرعية الاختلاف وتعدد الآراء، وعلى قاعدة لا ضرر ولا ضرار والتي تضفي للحياة بهجتها ورونقها وتزيدها قوة إلى قوتها لتستمر، وبالتباين والاختلاف يحدث التطور والازدهار.