• «التغيير سنة الحياة» بينما الجمود والتحجر يخالفان الطبيعة البشرية السليمة، ولكن هذا في حال كان التغيير نحو الأحسن والأفضل وبغرض التطور والتحديث..أما أن يكون التغيير فقط لمجرد الرغبة في التغيير أو لأسباب وأهداف أخرى لا علاقة لها بعملية التغيير الإيجابي فإن ذلك يحولها إلى عملية تخريب وتدمير، وهذا ما نلمسه كثيراً في بلادنا، حيث إن أغلب ما يحدث من تغييرات لمسئولين لا يكون في الغالب الأعم نحو الأفضل أو بهدف التغيير الإيجابي ولكن لأن المسئول الفلاني أو العلاني لم يعد مرغوباً فيه في منصبه، كونه أصبح مصدر إقلاق للمسئول الأول في وزارته أو في محافظته الذين يرغبون في أشخاص أكثر استجابة ليس لتحقيق المصلحة العامة بل لتحقيق نزواتهم ومصالحهم الشخصية أو يكون من نفس الحزب السياسي الذي ينتمي إليه. • ما دفعني لتناول هذا الموضوع هو أن هناك توجهات مؤكدة نحو إحداث تغييرات خلال الفترة القادمة في ضوء إعلان الحكومة عن عزمها البدء بتطبيق قانون التدوير الوظيفي مطلع أبريل القادم، بل إن العملية قد بدأت تباشيرها هذه الأيام بإجراء تغييرات لبعض المسئولين هنا وهناك، ولكن ما نتمناه إذا أردنا فعلاً بناء الدولة المدنية الحديثة أن تشذ هذه التغييرات المرتقبة عما ألفناه في السابق من تغييرات نمطية زادت الأمور سوءاً والأوضاع تدهوراً، نريدها أن تكون نحو الأفضل وبعيدة عن المجاملة والمحاباة الحزبية والسياسية، تتم وفق قواعد ومعايير ثابتة وعادلة تحترم الأخذ بمبدأ تكافؤ الفرص واعتماد الكفاءة والخبرة وتكون بطرق قانونية وشفافية تقود إلى أن يفوز بالمناصب مستحقوها والجديرون بها بحيث يتم وضع المسئول المناسب في المرفق المناسب. • العديد من المسئولين في بلادنا لا يزالون في مناصبهم منذ عدة سنوات، الأمر الذي ولَّد لديهم شعوراً بامتلاكهم لهذه المناصب وأحقيتهم فيها دون سواهم، فنجد المسئول من هؤلاء يتحدث عن المرفق الذي يديره وكأنه ملك له وأن لديه مطلق الحرية في أن يفعل فيه ما يريد ومتى يريد، وهذا هو السبب الرئيس فيما نعانيه من اختلالات إدارية وفساد، خاصة في ظل غياب القوانين والأنظمة التي وإن وجدت إلا أنها تكون بلا فاعلية، حيث يعمل هؤلاء المسئولون من أجل أنفسهم ويتناسون مصالح المجتمع، فما يحصل أن كل من يبقى في منصبه لسنوات عديدة يكرس عمله لتحقيق مصالحه الخاصة ويعمل على بناء «شلل» وتكتلات تابعة له تعيش على السرقات والرشوات والفساد الإداري على حساب مصالح الناس، لذا نجد أغلب هؤلاء يتشبثون بمناصبهم بكل ما أوتوا من قوة وذلك حتى يعملوا على إخفاء كل ما يثبت تورطهم في الفساد، وهذه هي الكارثة الحقيقية التي نعاني منها. • يجب أن تكون هناك ثقافة ديمقراطية حقيقية تفرض على كل مسئول أن لا يتقلد أي منصب أكثر من أربع سنوات بحسب ما ورد في قانون التدوير الوظيفي، على أن من الضروري أن يعمل بعد تركه منصبه نفس الفترة في ذات الإدارة تحت إمرة قيادة جديدة، لكي يعمل بنزاهة وأمانة أثناء تقلده المنصب، يعمل من أجل المجتمع ومن أجل المصلحة العامة لا من أجل مصالحه الشخصية.. هذا هو التدوير الوظيفي الذي نتمنى تطبيقه، وليس استبدال الأسوأ بالأكثر سوءاً، أو إجراء عملية مناقلة بين نفس المسئولين من مرفق إلى آخر. • نحن بحاجة ماسة إلى ثورة إدارية تقضي على كل مظاهر الفساد والبيروقراطية والروتين والتعقيدات الإدارية، مع الإيمان بأن التغيير المثمر هو ذلك الذي يكون نحو الأفضل وبهدف التطوير والتحديث، ودون ذلك لن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام وسنظل في مؤخرة الركب. [email protected]