واهم من يعتقد أن أحزاب المعارضة وتحديداً اللقاء المشترك لا يد لها فيما حدث ولا يزال من اعتصامات في الشوارع، والدليل على ذلك أنها ومنذ عدة أشهر مضت تهدد باللجوء إلى الشارع وتثويره ضد النظام، الأمر الذي يؤكد أنها المحرك الفعلي لقيام هذه الاعتصامات وإن تظاهرت بعكس ذلك بقولها إنها اعتصامات شبابية بحتة وأنها فقط تدعم وتساند هؤلاء الشباب في تحقيق مطالبهم المشروعة.. فماذا وراء هذا الاهتمام المفاجئ من قبل “المشترك” بالشباب؟! ما نعرفه أن هذه الأحزاب وفي كل جولات الحوار السياسي السابقة لم تكن تعير الشباب أي اهتمام بل ليسوا أصلاً ضمن قائمة اهتماماتها التي تقتصر فقط على ما ستحققه من مكاسب سياسية أو ما ستناله قياداتها من امتيازات شخصية، وبالتالي فإن وقوفها الآن إلى جانب الشباب ليس حباً فيهم أو إيماناً بضرورة تحقيق مطالبهم المشروعة، وإنما لأنها تراهن على الشباب لاستخدامهم كورقة ضغط والمتاجرة بقضاياهم ومواقفهم للحصول على مكاسب سياسية. صحيح أن الاعتصامات بدأت في ظاهرها شبابية ذات مطالب مشروعة، إلا أن هذه القوى السياسية وجدت فيها وضعاً مناسباً تستطيع معها استغلالها لتحقيق أهدافها السياسية البعيدة كل البعد عن مطالب الشباب الحقيقية التي تجمّعوا لأجلها، وهو ما جعلها تقوم بالدفع بعناصرها في محاولة منها للسيطرة على الموقف والإمساك بزمام الأمور بهدف الوصول إلى ما تُمني بها نفسها من مكاسب. لكن دعونا نسلم فرضاً بأن أحزاب اللقاء المشترك وكما تدعي لا علاقة لها بهذه الاعتصامات رغم أن أغلب المعتصمين هم من كوادرها ومناصريها ويمدونهم بالأغذية والمال وأنها ليست صاحبة القرار في استمرارها أو إنهائها، ففي هذه الحالة ومع رفض “المشترك” الاستجابة لكل المبادرات والدعوات الهادفة إلى حلحلة الأزمة ونزع فتيل العنف، فإن الحكومة لم يعد أمامها سوى مباشرة تنفيذ حزمة الإصلاحات الوطنية وبصورة عاجلة وتتمثل هذه الحزمة بالعديد من النقاط التي هي مطلب الجميع ومن أهمها: التسريع بإجراءات تنفيذ التوجيهات الرئاسية بشأن توظيف الخريجين وتثبيت المتعاقدين منهم وإفساح المجال أمام الشباب للمشاركة في لجان التوظيف لتأكيد الشفافية في عمل هذه اللجان بعيداً عن الوساطات والمحسوبيات وإعطاء الدرجات الوظيفية لمستحقيها الفعليين. تشكيل حكومة وطنية غير حزبية تضم مجموعة من الكوادر المؤهلة والكفؤة التي تحظى بقبول الشباب وتحوز على رضاهم، يتم فيها وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وأجزم أن لدينا الكثير من هؤلاء الكوادر النوعية الذين يتوقون لمنحهم الفرصة للعمل بشرف ونزاهة خالصة من أجل مصالح أبناء المجتمع وليس مصالحهم الخاصة. إجراء عملية تغيير شاملة في عدد من الوظائف العليا في الدولة تشمل المحافظين ومدراء عموم المكاتب التنفيذية والمصالح الحكومية المقصرين في أداء مهامهم أو أولئك الذين تُثار حولهم شبهات فساد، وهذه التغييرات تأتي ضمن تفعيل قانون التدوير الوظيفي الذي صدر قبل أكثر من عام إلا أنه لم يطبق حتى الآن، وكل ذلك من تحقيق التغيير الإيجابي في العمل المؤسساتي، وضمان أن يعمل المسئولون بنزاهة وأمانة أثناء تقلدهم المناصب، يعملون من أجل المجتمع ومن أجل المصلحة العامة وليس من أجل مصالحهم الشخصية. أما بشأن ظاهرة الفساد المتفشية في أغلب مؤسسات ومرافق الدولة وآثارها المدمرة فإنها تعد واحدة من أهم القضايا التي يجب أن تُعطى أولوية في مكافحتها في المرحلة الراهنة، فقد شبعنا حديثاً عن الفساد وعن ضرورة محاربته دون أن نلمس إجراءات حقيقية وفاعلة لمحاربته والحد منه على أرض الواقع. هناك الكثير من الملفات والقضايا التي آن الأوان لأن ترى النور وتخرج إلى العلن ويتم محاسبة مرتكبيها بعيداً عن المداراة والمجاملة، فالأوضاع الراهنة التي تمر بها اليمن تتطلب سرعة التحرك باتجاه تفعيل إجراءات مكافحة الفساد بصورة عملية، وأعتقد أن الخطوة الأولى يجب أن تأتي من الأجهزة الرقابية المختصة وتتضمن اتخاذ إجراءات حقيقية لمحاربة الفساد أينما وجد وتعرية الفاسدين، ولتكن البداية بالتضحية ببعض رموز الفساد وتقديمهم إلى المحاكمة واتخاذ العقوبات الرادعة بحقهم وتنفيذها فذلك من شأنه أن يعيد للناس ثقتهم بهذه الأجهزة وقدراتها في القضاء على هذه الظاهرة المدمرة. إن تنفيذ هذه الإجراءات الإصلاحية هي مطلب الجميع الذين ينشدون التطور والرقي كما أنها ستسحب البساط من تحت أقدام كل المزايدين باسم الشباب والمتاجرين بقضاياهم لأجل مصالح سياسية وأنانية ضيقة. [email protected]