يبدو أن هناك سيناريو جديداً تسعى بعض القوى السياسية إلى طرحه للتداول في الأوساط المحلية على شكل رؤية جديدة للوصول من خلالها إلى الغايات والأهداف التي حالت التسوية السياسية التي حملتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية دون تحقيقها، هذا السيناريو الخطير من شأنه تهديد ما تم التوصل إليه، وأولى خطوات هذا السيناريو تتمثل في السعي نحو إحداث تغيير تسلسلي في مسار المبادرة الخليجية للقفز على الخطوة الأهم فيها والمتمثلة في الدعوة لعقد مؤتمر للحوار الوطني تشارك فيه كل الأطراف الفاعلة في الساحة المحلية والانتقال إلى الخطوة التي تليها وهي إعادة هيكلة قوات الجيش والأمن، حيث نلمس حالة غير مسبوقة من الإصرار على تقديم الهيكلة على الحوار رغم إدراك الجميع أن الحوار هو الأهم وهو المقدم على الهيكلة بموجب المبادرة، ولكن القوى التي ترفع مطلب الهيكلة تريد أن تبادر القيادة السياسية الجديدة والحكومة واللجنة العسكرية بالهيكلة من أجل الاطمئنان على استبعاد العناصر التي تطالب بإقالتها من الجيش والأمن، حيث تخشى أن يبقى هؤلاء في مواقعهم بعد الهيكلة وخصوصاً بعد تصريحات نائب وزير الإعلام والتي أشار من خلالها إلى الفهم القاصر لبعض القوى السياسية حول الهيكلة، حيث ينظر هؤلاء إلى الهيكلة على أنها استبعاد وإقصاء أشخاص واستبدالهم بآخرين، حيث يدرك هؤلاء بأن رفض نتائج الهيكلة بعد الانتهاء من أعمال المؤتمر العام للحوار الوطني لن يصب في مصلحتهم وسيظهرهم ذلك أمام الشعب على أنهم أعداء الوطن والأمن والاستقرار ولن يخدمهم في الاستحقاقات الانتخابية القادمة وهو ما جعلهم يصرون على تقديم الهيكلة ليتسنى لهم تجديد رؤيتهم ومواقفهم المستقبلية، فهم لا يريدون وحدة الجيش بقدر ما يريدون التخلص من أقارب الرئيس السابق. والملاحظ أن الحملة الإعلامية الضخمة المصاحبة والداعمة لمطلب الهيكلة تأتي في الوقت الذي تزايدت فيه أعمال القتل والتنكيل في حق أبناء القوات المسلحة والأمن البواسل الذين يذودون عن حمى الوطن من قبل عناصر إرهابية وإجرامية تستهدفهم بصورة وحشية كما حصل في دوفس بأبين الأحد الماضي من مجزرة بشعة في حق الجنود الأبرياء في أبين والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من 198 شهيداً وإصابة العشرات بإصابات بليغة وأسر البعض منهم على أيدي جماعة القاعدة، هذه المجزرة البشعة التي اهتز الوطن من أقصاه إلى أقصاه من بشاعتها ولا أعلم ماهي ملابسات هذه الجريمة ومن يقف خلف تسهيل عملية تنفيذها لتحصد كل هذه الحصيلة المؤلمة، وأعتقد أن من حق أسر الشهداء ومن حق كل اليمنيين الاطلاع على نتائج التحقيقات التي تقوم بها اللجنة المكلفة من رئيس الجمهورية للوقوف على حقيقة ما جرى والتعرف على العناصر والقوى التي تريد تدمير البلاد والعباد، لا نريد أن يكون مصير ما جرى في أبين مماثلاً لما جرى في جريمة الاعتداء على جامع النهدين، نريد الشفافية والمصداقية وكشف الحقيقة للشعب ليميز بين الخبيث والطيب والوطني المخلص والعميل المرتزق. إن جريمة أبين وقبلها جريمة القصر الجمهوري بالمكلا وجريمة البيضاء والجرائم المتكررة في عدن ولحج وحضرموت وغيرها من المناطق اليمنية تتطلب وقفة جادة تجاهها والبراءة من مرتكبيها والتصدي لهم ومحاربتهم، ولا يجوز التراخي والتساهل من أي طرف كان، فمن يرتكبون صنوف جرائم التنكيل في حق حماة الوطن هم أعداء الوطن، ومن يتحالفون معهم وتربطهم أية علاقة معهم هم بكل تأكيد شركاء لهم في كل جرائمهم ويجب على كافة القوى السياسية تحديد موقفها الصادق والصريح من هذه الجرائم التي تستهدف أبطال القوات المسلحة والأمن، لا نريد مواقف متخاذلة و(نصف رجولية) نريد مواقف شجاعة تنتصر لهؤلاء الشهداء الأبرياء وذويهم، وإن الوفاء للشهداء من أبناء القوات المسلحة والأمن ليس بالدعوة إلى هيكلة الجيش وإنما بإعلان البراءة من القتلة والإرهابيين وإعلان الحرب عليهم لتطهير البلاد من أدرانهم وأعمالهم المشبعة بالخسة والنذالة والإجرام، أما الهيكلة فهي قادمة لا محالة ولا تحتاج إلى اعتصامات أو مسيرات كما يظن البعض، ومن الغباء أن يعتقد البعض أن استمرار أعمال التنكيل بأبناء القوات المسلحة والأمن سيسهم في التعجيل بعملية الهيكلة لأن هذا الأمر غير وارد على الإطلاق، فالمرحلة اليوم تحتاج إلى اصطفاف وطني لمواجهة قوى الإرهاب والتطرف والإجرام التي تستهدف الوطن من خلال استهداف أبناء القوات المسلحة والأمن، وعلى كافة الأحزاب والتنظيمات السياسية والوسائل الإعلامية أن تعطي هذه الأعمال الإجرامية ذات الأهمية التي أعطتها للحوادث التي وقعت على هامش الأزمة السياسية أم أن أفراد الجيش والأمن لا يستحقون ذلك؟! لا يعقل أن تتناول بعض الوسائل الإعلامية ما حصل في أبين والمكلا وعدن ولحج وغيرها من المناطق بنوع من البرودة واللجوء إلى إذكاء الأحقاد وزرع الفتن في أوساط المواطنين من خلال استغلال هذه الجرائم وتوظيفها لما يخدم مصالحها وأهدافها السياسية وتوجهاتها الحزبية.. إن محاولة تبرئة ساحة الإرهابيين والقتلة والمجرمين وتحميل الآخرين المسؤولية عوضاً عنهم لا تقل فداحة عن هذه الجرائم المرتكبة وهو سلوك رخيص ينم عن تفكير مريض ومأزوم يجعل من أرواح الشهداء الأبرار بضاعة للاتجار بها، لا نريد قلب الحقائق والاصطياد في المياه العكرة، نريد أن يتوحد الجميع خلف مطلب واحد خلال هذه المرحلة وهو فرض هيبة الدولة والعمل على استعادة الأمن والاستقرار واجتثاث كافة العناصر الإرهابية والإجرامية التي تعيث في البلاد الفساد، لا نريد هيكلة تكون على حساب أبناء القوات المسلحة والأمن، نريد الأمن أولاً ومن ثم الهيكلة، لأنني أخشى ومع الكثير من أبناء هذا الشعب المخلص الوفي والصابر أن تكون أعمال التنكيل التي تطال حماة الوطن مدفوعة الثمن ومخططاً لها من أجل تحقيق أهداف ومكاسب رخيصة ومن أجل تفادي الخوض في هذه القضية فإن الواجب على الرئيس هادي وحكومة الوفاق واللجنة العسكرية والبرلمان الحرص على عودة الأمن والاستقرار وإيقاف (مهزلة) القاعدة والكشف عن مصادر تسليحها ودعمها العسكري. لا نريد توجيه الاتهامات جزافاً لأي طرف، ولكن هناك تسريبات تحدثت عن قوى عسكرية تقف وراء تسليح هذه العناصر الإجرامية وهو ما يحتم على اللجنة المكلفة بالتحقيق في حادثة دوفس الإجرامية التأكد من نوعية الأسلحة المستخدمة والوحدة أو الوحدات التابعة لها بموجب الوثائق الموجوة في وزارة الدفاع، لأنه لا يعقل أن تمتلك عناصر القاعدة كل هذه الأسلحة بمفردها، اليوم القاعدة تقتل وتأسر وتحاكم الجنود والضباط في أبين وهذا في حد ذاته مدعاة للغيرة من كل الشرفاء في وطننا الحبيب بما في ذلك الشباب الذين يطالبون باستكمال أهداف ثورتهم.. إن الخلاص من الإرهابيين والقتلة والمجرمين هدف أهم وأجدى وأنفع للبلاد والعباد من إقصاء أحمد علي من قيادة الحرس الجمهوري ويحيى الأحمر من القوات الجوية وطارق محمد عبدالله صالح من الحرس الخاص وعلي محسن الأحمر من الفرقة ومحمد علي محسن من المنطقة الشرقية، إن الخلاص من العناصر الإجرامية يمهد الطريق أمام عودة الأمن والاستقرار واستكمال باقي بنود المبادرة الخليجية، ويجب علينا جميعاً أن نعمل على إنجاز ذلك في المقام الأول، لا نريد أن يعمينا الحقد وننساق خلف أهداف ومصالح حزبية وسياسية رخيصة، فالوطن أهم وأغلى وإن الإصرار على تقديم هيكلة الجيش في ظل هذه الظروف الصعبة هو بمثابة خيانة للشهداء الأبرار من أبناء القوات المسلحة والأمن الذين قدموا أرواحهم رخيصة من أجل الوطن والذود عن حماه والحفاظ على مكتسباته، فمن قتلوا في أبين لم يكونوا في حراسة حزب أو عائلة أو قائد أو قبيلة وإنما كانوا يحرسون الوطن، فلماذا إذاً لا ننتصر لمظلوميتهم ونطالب بإحراق الأرض تحت أقدام القتلة والمجرمين، لا نريد حوارات ولا مهادنات، نريد أن تضرب الدولة بيد من حديد في حقهم، نريد السلاح والعتاد الذي يشترى بالملايين سنوياً أن يوظف لحماية الوطن والمواطن في كل شبر على ثرى هذا الوطن الحبيب، لا نريد أي مكان للإبقاء على عملاء ومرتزقة في أوساطنا، فأي ذل وأية مهانة وصلنا إليها عندما يصل الأمر إلى استباحة دماء الجنود وأسرهم ومحاكمتهم على مرأى ومسمع. إذا كانت الدولة بعدتها وعتادها عاجزة عن ردع العناصر وتوفير الأمن والحماية لمواطنيها من المدنيين والعسكريين فلا حاجة لنا بها والشعب هو من سيخلص البلاد من هذه العناصر الإجرامية، نريد دولة لها هيبتها وسلطتها القوية والرادعة ولا نريد دولة هشّة وضعيفة لا تمتلك القدرة على حماية نفسها فما بالكم بحماية الآخرين، نريد دولة «بصميلها» الذي يفتك بالمخربين والمجرمين والمأجورين، الصميل الذي يردع الظالم عن ظلمه والمجرم عن جرمه والفاسد عن مفسدته، صميل النظام والقانون الذي يخضع له الجميع. يجب أن تكون مواقفنا مريحة فقد سئمنا من النفاق والكذب والمجاملة والمداهنة والتملق وحان الوقت لأن نتحرى الصدق ونستشعر الأخطار المحدقة بالبلاد، لدينا اليوم رئيس جديد وحكومة جديدة ومرحلة جديدة ولم يتبقَ سوى أن نجدد من أنفسنا ونتخلى عن منطق العناد والإصرار على المواقف الشخصية والحزبية وتصفية الحسابات الضيقة، يجب أن نطوي صفحة الماضي ونفتح صفحة جديدة فنحن أبناء اليوم، ولتخرس كل أبواق الشقاق والنفاق ولتذهب إلى الجحيم منابر إذكاء الفتن وتصدير الأزمات والصراعات والفتاوى الجائرة مع أصحابها، وليسقط أصحاب المشاريع الصغيرة والأهداف والغايات الرخيصة، ولعنة الله ورسوله وملائكته وخلقه على حزبية تمزقنا وتمزق أوصالنا وتفتك بنا ولعنة الله على هيكلة تكون على حساب الأبرياء من أبطال قواتنا المسلحة والأمن. حفظ الله اليمن واليمنيين وأدام علينا نعمة الوحدة والأمن والاستقرار ورحم الله الشهداء الأبرار ولا عاش أعداء اليمن.