لم يستفزني برنامج أكثر من برنامج “الاتجاه المعاكس”، الذي ظلت قناة “الجزيرة” “تكعفنا” به لسنوات ودورات برامجية متكررة، ولم يكن يستفزني أكثر منه إلا مذيعه الدكتور “فيصل القاسم” الذي يبدو أنه ليس له من اسمه إلا “سم” وافر. مهما حاول أن يبدو و”متيقظاً”، و”متأنقاً”، ومتصابياً، و”مختلفاً” “حضارياً” أو “متخلفاً” عن الركب وسائراً في “الاتجاه المعاكس”، شأن حلقته الأخيرة عن اليمن. لقد حاولت عبثاً، ولمرات عديدة أن أتابع الموضوعات التي كان يطرحها هذا السخيف المغرور على المشاهدين، في انتظار أن أرى فكرة جديدة، أو قضية وطنية أو قومية “هامة” تستحق كل تلك “الدعاية” “والسموم” التي يطلقها لسانه قبل كل “حلقة جديدة” من حلقات “الحلبة” في مسلسله الطويل والممل، ولم يحسن ظني به لمرات كثيرة. لقد اقتنعت في كثير من الأحيان أن بعض المشاركين في البرنامج إياه مع تقديري واحترامي لكل من شارك بقصد تقديم تحليلٍ عقلاني أو بغرض التوضيح أو التعقيب على الضيف الرئيس للبرنامج الذي لا شك أنه يختاره من بين قائمة طويلة من الساسة المهرجين أو المفكرين المهجرين المأجورين هم إما ممثلين بارعين “متفقين” مع المذيع على مسرحية يؤدون أدوارها بإتقان مقابل “ثمن أو أجرٍ” مدفوع، أو وعد “مقطوع”، أو “جائزة”، أو أنهم مغفلون صدقوا نوايا هذا “القاسم”، وانطلت عليهم ألاعيبه وخدعه وعباراته، أو أنه قد خدّرهم بنفث “السم” الذي يملك منه قدراً وافراً. لم يشعرني هذا “القاصم” ظهر الحقيقة، سوى مرات قليلة بجدوى المتابعة للبرنامج والسهر إلى وقتٍ متأخرٍ من الليل كما كان الحال في بداية انطلاق البرنامج “الظاهرة” شأن قناته “الظاهرة”؛ إذ بدا أنه يبحث عن الإثارة أو “الترفيه” بطريقة أفلام “الأكشن، والكيك بوكسنج، وحلبات المصارعة”، أكثر من بحثه عن معالجة قضايانا القومية المعاصرة.. وليس غريباً على هذا “البليد” المتخرج من جامعة “HILL”، أن يتحول إلى “مريد” لجامعة “جهنم” “Hell” “بامتياز”، ويطمع ب“مزيد” بحثاً عن “الأضواء والقضايا” الخلافية، وعن إثارة النزاعات وتكسير “الآراء والمرايا”، أو السير في “الاتجاه المعاكس”، وكأنه يخرج مسرحية درامية يجيدها بحكم “التخصص”، كيف لا؟ وهو القادم من “ما وراء الأخبار”. لقد كان الأولى بهذا الدعي الشقي أن ينفث سمومه على هموم بلده وشعبه وهمومه، ولو من باب (الأقربون أولى بالمعروف). لكن، يبدو أن ال«سخ»في “الشهير” جداً جداً جداً فيصل القى «سم»، عنوان الإثارة، والفذلكة، والتصابي، والغرور، والغباء، قد سار بحكم العادة في الاتجاه المعاكس، ربما نسي نفسه، ونسي أنه يتحدث عن الشعب اليمني، الذي ألهم العالم بحراكه الاجتماعي السلمي، وبقدرة أطرافه السياسية على إدارة أزماته في واقعه المعيش، وليس عبر مسرحيات وأخبار مفبركة على قناة “الخنزيرة”، أو “الجنزيرة”، التي ستسير مستقبلاً عكس اتجاهه بعد أن ينتهي من أداء دوره الصغير. ترى، هل يحق لمن تخلى عن قوميته العربية “السورية”، وقبل بدلاً عنها بالجنسية “البريطانية” أن يتهمنا بالتخلف، أو أن يعطينا دروساً في الحكمة والحضارة، إلا إن كان قصده التخلف عن حضارته “الغربية” عنا التي عَبََّرَ عنها ب«حكمته» المعهودة عَبْرَ التخلي عن جنسيته؟. ألا يعكس تصرفه هذا شعوراً بالدونية، وتجسيداً لسلوك الإنسان العربي “المقهور” و”المتخلف” “والنعجة” الذي ينتقده عادة في اتجاهه المعاكس؟ ألا يستحي من تكرار مسرحيته الدرامية طيلة سنوات وسنوات بنفس “الممثلين” المملين؟ ألا يخجل من نفسه وهو يلوك العبارات والكلمات ذاتها منذ أكثر من عقد ونصف؟ ألم يستنفد كل ما في جعبته من إثارة وأساليب “للفتنة” بين تيارات المتصارعين؟ ألم يعلم أن برنامجه انحرف عن مساره، عندما تخلى عن “مهنيته” وتحول إلى بوقٍ إعلامي لمن يدفع أكثر؟ ألم يسمع بالمثل اليمني الذي يقول: «آخر المحنّش للحنش»، وهو الذي ظل يلدغ الكل بلسانه، ونسي أن الناس كلها تملك ألسناً؟ ألا يملك “أخلاق الفرسان” و”حكمة الزمان” فيعتذر عما بدر منه تجاه شعب كامل نعته “بالسكارى”، فيحفظ لنفسه ماء وجهه الذي أراقه بكل عنجهيته وصلفه وغروره، وإصراره على الإساءة لأبناء السعيدة؟ حقاً هزلت.. يا فيصل؟ (*)جامعة إب