تعد الكتابة الدرامية أحد أشكال التعبير الفني، الذي عرفه الإنسان قديماً فقد ارتبط هذا الفن بالتعبير عن حاجات المجتمع الروحية، وشهدت الحضارة الإغريقية واليونانية - انبثاقات ظهوره المبكرة، من خلال تلك الملاحم والسير الأدبية والشعرية، التي عرفت طريقها إلى التجسيد والمحاكاة على خشبه المسرح آنذاك، كما لعب المسرح دوراً بالغاً في تعميق الحس الجمالي والتربوي لدى الشعوب، التي عرفت هذا الفن الأدبي ويحفل التراث العربي بهذا الفن الأدبي في مراحل مختلفة من تاريخ تطوره، الذي عبرت عنه القصص والحكايات والسير الشعبية والملاحم الشعرية كا«الف ليلة وليلة وسيرة بني هلال، وسيف بن ذي يزن، وعنترة والمقامات الأدبية وغيرها» من الأشكال الأدبية ذات الحس الدرامي. يرجع بعض الباحثين إلى أن اليمن عرفت الفن الدرامي، في أوائل القرن العشرين من خلال وصول فرقة مسرحية هندية إلى اليمن عام 1906م أبان حكم الاستعمار البريطاني، كما أسهمت العروض السينمائية والإذاعية للأفلام والمسلسلات الأجنبية في فترات لاحقة، في خلق تأثيراتها المختلفة في وعي الرواد الأوائل إزاء الدرامى وإعادة إنتاجها محلياً، ليؤسسوا مداميك هذا الفن، ولم يقتصر ذلك على المحافظات الجنوبية فحسب، بل انتقل معه هذا الفن إلى عدد من المحافظات الشمالية، وشكل المسرح المدرسي تعبيراً مكثفاً له، لقد أسهم فن المسرح الدرامي ولعب تأثيرا مباشراً في تأجيج وإذكاء الحماس الشعبي لقيام الثورة اليمنية، وغذى الحس والنزوع الوطني نحو الاستقلال ولعل بوادر هذا التأثير، قد تجلى حين خرجت الجماهير في حضرموت وقامت بإحراق العلم البريطاني بعد أول عرض مسرحية عن الثورة الجزائرية في إحدى مدارس المحافظة، وشكل قيام الثورة اليمنية فتحاً جديداً للدراما وتقديراً لدورها، فأنشئت المسارح ودور السينما وأسست الفرق الفنية، في أغلب المدن اليمنية، لقد سار فن المسرح الدرامي بالتوازي مع قضايا المجتمع معبراً عن همومه وتطلعاته وتناقضاته، وفي ظل توسع شبكات البث التلفزيوني والإذاعي إلى عموم المحافظات، مارس التلفزيون والإذاعة استقطاباً للكادر الدرامي المسرحي وأنجزت من المسلسلات والبرامج الدرامية، برز عدد من النجوم في هذا المجال. وعلى الرغم من البدايات المبكرة للدراما اليمنية، إلا أن المتأمل لواقع الدراما في بلادنا، سيلاحظ أنها لاتزال أسيرة محليتها ولم تستطع بعد تحقيق حضور يذكر على صعيد المنافسة العربية أو نقل الدراما الخليجية، وذلك لعدد من العوامل والظروف المحيطة بها وكذا المتعلقة بطبيعتها. والتي تؤثر فيها وتتأثر بها سلباً وإيجاباً وأهم هذه العوامل هو العامل الثقافي ويتمظهر في غياب استراتيجية ثقافية، تهدف إلى النهوض بالواقع الثقافي والفني عموماً، في ظل مزاج عام لايتعامل مع الثقافة باعتبارها قضية جوهرية تنموية، لايقل شأنها عن قضايا التعليم والصحة. حيث تصدرت القضايا السياسية واحتلت حضوراً طاغياً في العقدين الأخيرين، علاوة على وجود شبه قطيعة تمثلها تلك المسافات والجدران الفاصلة التي تقيم بين المؤسسات الثقافية والإعلامية الرسمية والتربوية، وغياب حد أدنى من التنسيق والعمل المشترك كون هذه الجهات تنتمي إلى حقل واحد واسع هو حقل الثقافة، يقابلها تلك القطيعة المضروبة بين الأشكال والقنوات الإبداعية المشتغلة على الشأن الثقافي والأدبي والفني، ويتم ذلك في ظل وجود النظرة القاصرة للعمل الثقافي والفني، يختزله من شأن وطني عام والقاسم للمشترك للمجتمع، إلى شأن خصوصي بأضيق الحدود وتحجيمه إلى أقل مايمكن وفي هذا السياق ثمة آراء ووجهات نظر في الصحف والملتقيات تم طرحها، حول ضرورة إيجاد بنية تحتية للثقافة، واحتلت بنية الدراما، كصالات المسرح والاستوديوهات حظاً وافراً، في رأي كهذا، وعلى الرغم من أهمية هذه الآراء والأفكار، فإن ذلك علي أهميته في تصوري لن يأتي بالحل السحري، فالأهم أولاً، أن يسبق ذلك تأسيس وتأصيل بنية تحتية من القناعات في الأذهان لدى الأطراف المعنية بالشأن الثقافي وبأهمية الدراما، كفن قادر على تعميق الحس الجمالي والوعي الوطني، والارتقاء بالذوق العام. فالدراما اليوم في ظل زخم البث الفضائي صارت صناعة، وتعاظم تأثيرها على القيم والأفكار والتنشئة الاجتماعية، في عصر صارفيه للتلفزيون حضوره غير المسبوق إلى كل بيت، حيث تحول إلى صالة عرض للدراما المسرحية والسينمائية والمسلسلات الدرامية، وتنوعت محتويات المادة الدرامية التي يقدمها، المتراوحة بين المنفعة والمعلومة الرفيعة، والترويح والمتعة، وبين الإثارة الرخيصة بين الفائدة والفكرة الهادفة والفكر الموجه، لقد شكل التلفزيون سطوة متزايدة على الأسرة، ولا غرابة أن البعض لم يعد يفهم دوره العاطفي والتربوي إزاء الأسرة إلا من خلال ما تبثه هذه الشاشة من الأفلام والمسلسلات العاطفية، فإذا كان المسرح والسينما قد أخرجا الناس من بيوتهم في السابق، فإن التلفزيون قد أعادهم إلى المنازل مجدداً، وهذا بدوره يطرح استخفاقات جديدة - في تقديري - على الدراما المحلية قدرتها على السعى والاستجابة لهذا المعطى، وهو قول بقدر مايضاعف نفسه أمام الدراما المسرحية فهو قول يسرى على الدراما التلفزيونية والإذاعية أيضاً في عصر الزحف الفضائي. إشكالية النص الدرامي: هناك علاقة وطيدة بين الأدب والدراما،وفي ضوء ذلك يمكن الحديث عن الدراما بشقيها المكتوب والمشاهد، فالدرامية هي وثيقة الصلة بالنص المكتوب أولاً،وتالياً بالنص المشاهد أو المتجسد على خشبة المسرح،ولكي يعبر النص من المقروء إلى المشاهد ،فهو بحاجة إلى جعل الصياغات اللغوية،والتركيبات اللفظية أكثر ملائمة للكلام والتجسيد، منها للقراءة، أي للعين أكثر منها للأذن،والنص الدرامي هو نص متين البناء،حافل بالصراع الحوار والشخصيات والحبكة، فالدراما عادة تنطوي على ماهو غيرها المألوف،ولكي يغدو النص درامياً،فإن الحدث يحتاج إلى التوتر والتوقع،أي أن نهايته حافلة بالتوقعات والاحتمالات فالشخصية الدرامية ،ليست شخصية نمطية بل هي مخزن للصراع والتناقض في علاقتها بالآخر أو بذاتها. النص الدرامي هو نص الحياة النابض والمعقدة والمتشابك، إن النص الدرامي لايشترط الأدبية فقط، بل يلزمه توفر شروط فنية وتقنية ،كالسيناريو والإخراج والمنتاج ......الخ. إن الحديث عن غياب أو أزمة نص درامي محلي، هو قول لايحتمل الكثير من الصحة، فلدينا وفرة من الكتابات الإبداعية وهناك العديد من النصوص الدرامية تحتوي على قدر وطاقة هائلة من الحس الدرامي،ولا يستحسن القول أن افتقادها إلى المقتضيات الفنية،أي قابلية النص للتجسيد القول بأزمة النص،فالنص الدرامي لايوجد جاهزاً بدون قنوات وبيئة محفزة له،ولذلك من الأهمية وجود مجموعة ولجان متخصصة لقراءة النصوص ،وتشجيع ودعم المبدعين للكتابة الدرامية،وإتاحة المجال أمامهم، بمايسهم في إيجاد تنوع وإثراء، وتجديد للكتابة الدرامية، وفتح آفاق أمامها لكسر الرتابة والتكرار والتنميط الممل،لما يشكله استقطابهم من الإضافة ورفد النص الدرامي بدم وحياة وروح جديدة، وخلق مناخ من المنافسة،وفي هذا الصدد، ينبغي القول أن ارتباط النص الدرامي بالطابع الموسمي والاحتفالي،قد ضيق الخناق على النص الدرامي الإبداعي ،وأسهم في تشجيع النص السطحي والمباشر الذي يفتقد إلى العمق الفني والموضوعي، كما كرس طابع المقاولات،على حساب الفن، وعلى الرغم من الأهمية لهذا الطابع، لكن الاستمرار في ذلك من شانه،أن يكرس عزلة الدراما وجعلها شأناً مناسبتياً، لاتترك تأثيرها على الوعي ،يزول تأثيرها بمجرد انقضاء المناسبة. كما أحب التنويه إلى أهمية تغيير النظرة السائدة ذات السلبي إلى المرأة العاملة في الدراما، والسعي لتحرير الدراما،من الصورة النمطية التي تقدمها عن المرأة اليمنية. إن الدراما في بلادنا ينبغي أن تتحول إلى هم ثقافي وإعلامي بل إلى هم وطني،في عصر تنوعت فيه وسائل التأثير والمحاكاة التقنية،التي تحيط بالإنسان وأصبحت تخترقه من جميع الجهات والاتجاهات،وفي هذا الصددسأضع بعض المقترحات التي ألخصها في الآتي: التأكيد على توطيد علاقة الدراما بالقضايا الاجتماعية أو الهموم الملحة والتطلعات. تشكيل لجان متخصصة لقراءة النصوص الأدبية الدرامية وتوسيع عضوية اللجان على المنظمات والأندية المعنية بالكتابة الإبداعية،على أن تضم في عضويتها نادي «المقه للقصة». تشجيع المبدعين وتحفيزهم للكتابة الدرامية وفتح مسابقة ذات قيمة مالية تشجيعية. البحث عن مصادر تمويل للدراما ورفع المخصصات الحكومية لها. إشراك القطاع الخاص في تمويل أعمال درامية. إنشاء جائزة الدولة «للدراما» على أن يتم تخصيصها للجوائز«النص التمثيل السيناريو الدور الإخراج الديكور....الخ». تشجيع ودعم المرأة العاملة في قطاع الدراما وإفساح المجال أمامها للمشاركة الفاعلة. استلهام الموروث الحكائي الشعبي ومعالجته درامياً. عمل دورات وورش للتدريب على كتابة السيناريو للمبدعين. إصدار مجلة متخصصة في الدراما تعكس تفاعلات المشهد الدرامي. الجمع الخلاق بين الفائدة والمتعة والرسالة الهادفة والمعلومة المفيدة في الدراما. الاهتمام بإعادة المسرح المدرسي والجامعي باعتباره رافداً أساسياً للدراما العامة. الاهتمام بدراما الطفل،والعمل على إنتاج برامج تلفزيونية خاصة بدراما الطفل. الاهتمام بلغة الدراما وإىجاد لجنة لدراسة اللغة الدرامية المناسبة للمنافسة العربية. ورقة مقدمة إلى ندوة الدراما عدن