صادف يوم الأحد الأسبوع الماضي مرور عام على جريمة مقتل وإصابة عدد من الشباب المعتصمين أمام جامعة صنعاء أثناء قيامهم بتحطيم الجدار الأسمنتي الذي أقامه الأهالي وسط الشارع لمنع توسع نصب خيام المعتصمين في الشارع أمام منازل ومحلات المواطنين، ولكن يبدو أنه قد تم الإعداد والتحضير المسبق لهدم الجدار مهما كانت العواقب وخيمة. فكانت خطبة الجمعة تحريضية للشباب على تحطيم الجدار مهما كلّفهم الأمر، وتم أداء صلاة الجمعة وصلاة العصر جمعاً وقصراً لترتفع الأصوات عقب الصلاة بالتهليل والتكبير.. إلى الجدار ياشباب.. وتدافع الشباب المغرر بهم نحو الجدار مهللين مكبرين وكأنهم سيحطمون جدار الفصل العنصري الذي أقامه الكيان الصهيوني في القدس.. ورغم أن الأهالي قاموا بإحراق الإطارات في الجانب الآخر من الجدار بهدف منع الشباب من التقدم نحو الجدار، إلا أن صيحات التهليل والتكبير عبر مكبرات الصوت جعلت الشباب لا يأبهون بالأدخنة المنبعثة من إحراق الإطارات فواصلوا هجومهم على الجدار وشرعوا بهدمه. وهنا بدأ إطلاق النار والذي كان ربما للتهديد بغرض إجبار الشباب على التراجع، لكن هناك من وجهوا فوهات رشاشاتهم نحو الشباب مباشرة، فحدثت تلك المجزرة البشعة التي اهتزت لها اليمن من أقصاها إلى أقصاها ليتم استثمارها أسوأ استثمار من قبل أحزاب اللقاء المشترك وشركائهم من خلال المتاجرة بأرواح الشهداء ودماء الجرحى على المستوى المحلي والإقليمي والدولي لتحقيق مكاسب سياسية بهدف إسقاط النظام والاستيلاء على السلطة عبر الانقلاب على الشرعية الدستورية والنهج الديمقراطي خصوصاً عندما أعلن اللواء علي محسن صالح قائد الفرقة الأولى مدرع انضمامه مع فرقته لما أسموها ب«الثورة الشبابية الشعبية»، ولكنهم لم يفلحوا في إقناع الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي بأن النظام هو من ارتكب تلك المجزرة رغم الحملة الإعلامية الكبيرة في القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية والصحف والنشرات المقروءة ومنابر المساجد والملتقيات ومجالس المقيل ووسائل المواصلات. 18 مارس الجاري صادف ذكرى ارتكاب تلك الجريمة البشعة، وأراد المتاجرون بأرواح ودماء الشباب المتاجرة مرة أخرى بضحايا الجريمة واستثمارها من جديد لتحقيق مكاسب سياسية، وقد تجلى ذلك بوضوح من خلال الحملة التصعيدية سواء الخطاب السياسي والإعلامي الاستفزازي أو الدعوات التحريضية على التصعيد في الساحات. والمؤسف أن رئيس الوزراء الأستاذ محمد سالم باسندوة تناسى أنه رئيس لحكومة وفاق وطني مناط بها العمل على تحقيق الوفاق والاتفاق وإنهاء الانشقاق والخلاف وتضميد الجراح وليس العكس، حيث لم يكن موفقاً البتة في خطابه الذي ألقاه في الاحتفال الذي أقيم يوم الأحد 18 مارس الجاري بمناسبة الذكرى الأولى لتلك الجريمة، ففي الوقت الذي كنا ننتظر أن يجهش بالبكاء ويتحفنا بدموعه ونحيبه كما حدث في جلسة مجلس النواب التي تم فيها إقرار قانون الحصانة وفي الحفل التأبيني للفقيدة فاطمة العاقل رئيسة جمعية المعاقين خصوصاً وأن المناسبة أليمة وتستحق أن يتم فيها ذرف الدموع على أرواح الشهداء الذين سقطوا في المجزرة، لكن يبدو أن هناك من نصحه بأن ذرف الدموع والبكاء والنحيب ليس من شيم الرجال وخصوصاً من هم في مواقع تتطلب مواجهة الأحداث والخطوب برباطة جأش وشجاعة وحنكة سياسية وليس بذرف الدموع والبكاء والانتحاب، ولذلك أراد الأستاذ باسندوة أن يظهر هذه المرة بمظهر رجل الدولة القوي، فقال ما قاله في خطابه الذي افتقد لحصافة السياسي وشجاعة المسؤول الحكيم، وهو الأمر الذي دفع بعدد من أعضاء مجلس النواب إلى المطالبة بسحب الثقة منه وإحالته للتحقيق، بل إن أحدهم قال بأن خطاب باسندوة يعتبر بمثابة إعلان حرب. كان من المفترض بالأستاذ محمد سالم باسندوة وهو رئيس حكومة الوفاق الوطني أن يقدر خطورة المرحلة والظرف الاستثنائي الذي يمر به الوطن فيتجنب الوقوع فيما يقع فيه الآخرون من مثيري الفتن والأحقاد والضغائن ومسعري الحروب فلا يصب الزيت على النار التي تحت الرماد لكي يشعلها من جديد. كان عليه وهو المسؤول التنفيذي الأول وبحكم موقعه كرئيس للحكومة أن يوجه الجهات المعنية بإعادة فتح ملف القضية من جديد وتشكيل فريق من المحققين المستقلين الأكفاء للتحقيق في القضية من جديد مع جميع المتهمين سواء الذين تم إلقاء القبض عليهم من قبل الدولة أو الذين تم القبض عليهم من قبل الشباب في ساحة الاعتصام وتم تسليمهم للجنة الأمنية والتنظيمية في الساحة ثم سلموا لقائد الفرقة الأولى مدرع اللواء المنشق علي محسن «الأحمر» وبحيث يتم نشر نتائج التحقيق بشفافية عبر وسائل الإعلام لكي يعرف الشعب الحقيقة كاملة من مصادرها الرسمية وليس من قنوات «سهيل والجزيرة» أو المواقع الالكترونية والصحف والنشرات الصادرة عن أحزاب اللقاء المشترك وشركائهم. فلا بد أن يتم اطلاع أبناء الشعب اليمني والرأي العام الإقليمي والدولي على حقيقة مجزرة 18 مارس 2011م، بدلاً من إلقاء التهم الجزافية والمتاجرة بها سياسياً واستثمارها لتحقيق مكاسب حزبية وشخصية.