جويل شرم ذلك الأجنبي الذي أُعتدي عليه وبطريقة بشعة مجردة من أبسط المقومات الإنسانية، تباكى في مجتمعنا لأجله الكثير من منظمات وجمعيات ومظاهرات وأحزاب وأفراد وجماعات، وعبروا عن رفضهم ونفورهم لمثل ذلك الجرم الإنساني، ووصل خبره إلى رئيس الدولة، أمثاله الكثير والكثير في مجتمعنا من فئة المهمشين، الذين أُعتدي عليهم وبطرق قاسية ومفتقرة لأبسط العوامل الإنسانية من أبناء هذا المجتمع الذي ينتمون إليه، غير أنهم لم يحظوا بذلك الاهتمام الذي حظي به جويل شرم.. ويبدو أنهم مهمّشين ليس في حياتهم فقط بل أيضاً في مماتهم.. وليس هناك من سيتباكى عليهم أو يتصدق لهم بأبسط كلمات العزاء من أبناء هذا المجتمع.. كما تباكوا على ذلك الأجنبي وأغدقوا عليه بوابل من الرثاء والبكائيات.. من طرائف حادث الاغتيال الذي تعرض له السيد جويل شرم أن موقع اغتياله كان قريباً من المنطقة التي قتل فيها ماهر رباش أحد عمال النظافة من فئة المهمشين، في جولة الخط الدائري بتعز، ومن المفارقات أيضاً أنّ الذي قتل جويل شرم شخصية مجهولة من أولئك المجرمين الأشقياء، غير أنّ المجرم الذي قتل ماهر رباش يقطن في نفس حيه، ومما يزيد ألمك وحزنك أنّ طبيعة عمله ضابط في إدارة أمن تعز، الأمر الذي يعني أنه شخص معروف ويسهل القبض عليه، وأظنه لو كان هو نفس الشخص الذي قتل الأجنبي لاستطاع أمن تعز أنْ يخرجه من تحت الأرض ويقدمه إلى العدالة وربما ليكون قرباناً مقدماً إلى أمريكا لتأخذ بثأر رعاياها الذين يتعرضون بين فينة وأخرى لأعمال عنف مختلفة والتي هي الآن تطمع وتسعى في التدخل بشئون بلادنا عسكرياً كما تدخلت قبل ذلك في أفغانستان وفي العراق وكانت رفيقة دربها الوفية في ذلك إيران التي لعبت دوراً خطيراً وملحوظاً وفتحت لها الآفاق ويسّرت لها العبث في الأرض والإنسان، لكن لحسن حظ المجرم أنه قتل المهمّش المسكين ومسألة إحضاره والاقتصاص منه لايزال فيها نظر..؟ جويل شرم، الذي قُتل خلّف وراءه طفلتين أصبحتا الآن يتيمتين، أما ماهر رباش فخلّف وراءه سبعة أطفال وهم الآن أيضاً أيتام!! وكنا نتمنى على علماء تعز أنْ يقوموا باستهجان واستنكار حادثة قتل ماهر رباش دون وجه حق كما قاموا بالاستهجان على ذلك الذي اعتدى على المدرس الأجنبي جويل شرم ودون وجه حق من باب الإنصاف ليس إلا والأرواح عند الله متساوية.. ومع وجود التداعيات من حولنا عن هذه الفئة المهمّشة التي تقع أسفل السلم الاجتماعي.. وما لها من تأثير بالغ الأهمية في مسألة تنظيف الشوارع والتخلص من القمامات والنفايات والأوبئة.. تجد هناك بوناً شاسعاً بين ما تقدمه للمجتمع من خدمات جليلة وعظيمة وبين ما تلاقيه من قسوة وتهميش مقصود في كل أمور حياتها من قبل هذا المجتمع بكل شرائحه وأطيافه ومستوياته.. وقفة: الأمن والاستقرار ركيزتان أساسيتان لا يمكن الاستغناء عنهما للشروع في أية نهضة سواء مدنية أو عمرانية أو اقتصادية أو تنموية أو سياسية ونحوها.. وفي ظل الانفلات الأمني المريع في كل أرجاء البلاد وفي ظل انتشار المسلحين هنا وهناك وفي ظل الصراع الحزبي القائم الذي يمارسه المشترك سواء في الحكومة عن طريق ممارسة التعيين والتنصيب والإقصاء والتهميش الممنهج وفق ما يخدم مصالحهم الحزبية أولاً وللأسف، أو عبر إعلامهم المرئي والمقروء الذي لا يألو جهداً في توسيع فجوة الخلاف وإثارة الأحقاد والانشغال بالسباب والتجاوز والوقوف عند الصغائر، ولا ندري متى سينتهون أو يفيقون من غيبوبتهم..؟! بينما نجد الأمن قد انفكت عقده على الغارب وأصبح الناس في حالة محسوسة من الخوف والقلق مما سيؤول إليه مصيرهم ومصير هذا الوطن الذي يعيش حالة من الاضطراب الأمني غير المسبوق في حياتهم.