التقطع الذي دفع ثمنه غالياً الدكتور عبدالله أحمد فارع العزعزي المدرس بأكاديمية الشرطة إثر تلقيه طلقات نارية من سدنة هذا التقطع في نقيل سمارة على مرأى ومسمع من زوجته وأولاده أثار في ذاكرتي المقولة الشعبية التي تناقلتها الأجيال «سار من كل شيء أحسنه حتى.. السرق»، أي أن السرق المتقدمين كانوا يتجمّلون بأخلاق عالية لم تعد موجودة في أمثالهم المتأخرين، وهذه حقيقة لا مراء فيها، وبما أن السرقة والتقطع وجهان لعملة واحدة وتجمع بينهما رابطة الأخوة من الرضاعة فإن التقطع رغم مساوئه وآثاره السلبية الماثلة للعيان إلا أن هناك تفاوتاً واضحاً بين تقطع وآخر، فاستلاب المسافرين وقتل النفس البريئة لا نجدها إلا في عناصر شاذة تجردت من كل معنى أخلاقي وإنساني مهما كانت الذرائع. إن الطريقة البشعة التي وضعت حداً لحياة العزعزي ليست بدعة ولا استثناء في تاريخ التقطع المتخم بالقتل والترويع، ففي العام 2009م وتحديداً في منطقة حبيل جبر تم اعتراض سيارة مواطن ينتمي إلى قرية ضربة السيد بمديرية ميفعة عنس محافظة ذمار الذي كان هو الآخر بصحبة زوجته وأولاده من قبل عناصر مسلحة قيل حينها أنهم يتبعون الحراك الجنوبي، وفي الوقت الذي كان يجاهد فيه للخروج من هذا الفخ الذي لم يكن في الخاطر بأقل الخسائر أقدم المسلحون على إعدامه وعيون زوجته وأولاده تختلس النظر إلى هذا المشهد والرعب يزلزل قلوبهم. بعدها لاذ هؤلاء الأقماح بالفرار تاركين العائلة المنكوبة بمصابها رهينة للضياع والجوع والخوف، وبما أن العدالة في بلادنا مصابة بإعاقة مزمنة فقد ظل قائد الجريمة المعروف جداً لدى السلطات التنفيذية وعصابته طلقاء بعيدين عن أية ملاحقة حتى شاءت عدالة السماء أن تمزق جسد هذا المأفون إرباً إرباً في حادث مروري مروع. وحتى لا يظن البعض أن مشاهد التقطعات كلها مكسوة بالمآسي والفجائع فحسب أورد لكم طرفة ليست من صنع الخيال، بل حقيقة نسجت خيوطها وقائع تقطع حدث أوائل العام الحالي 2012م في محافظة ذمار، بينما كانت عناصر مسلحة من أبناء نقيل بن سلامة يمارسون مهنتهم التي شهروا بها في قطع السبيل إذا بسيارة مدججة بالمسلحين تقترب منهم وعلى حين غرة باشر من يستقلونها بإطلاق وابل من النيران على المتقطعين مما أدى إلى مقتل أحدهم وجرح آخر ثم بسرعة البرق غادرت السيارة المكان. المتقطعون بدورهم والذين لم يستوعبوا ما حصل إلا بعد لحظات من التقاط الأنفاس لم يبلعوا مصيبتهم ويتحملوا وجعهم في صمت من هذا الانكسار، لكنهم بدلاً من ذلك تجرأوا وأخذوا قتيلهم وجريحهم إلى أمام ديوان عام المحافظة وهناك طالبوا المحافظ ومدير الأمن القبض على الجناة الذين اعتدوا عليهم على حد زعمهم بإطلاق الرصاص الحي فيما كانوا مسالمين ولا يفعلون شيئاً سوى القيام بمهنتهم في قطع الطريق. إن هذه الواقعة التي تدعو إلى الضحك والسخرية في آن تؤكد لنا أن من يقدم على نصب تقطع للمارة والمسافرين تحت أي مبرر منزوع الحياء ولا يعير وزناً ولو لذرة من أخلاق فمن لا حياء له لا دين له.. لذلك علينا أن نتوقع أسوأ الاحتمالات التي قد لا يتورع هؤلاء الحثالة على ارتكابها والذين لا يألون جهداً في خوض غمار وسيلة ميكيافيلي مهما كانت شيطانية للوصول إلى غاياتهم المنحطة. على حكومة الوفاق أن تعلن هدنة ولو مؤقتة لإيقاف الحرب الباردة المستعرة بين أطرافها والتفرغ عوضاً عن ذلك في وضع استراتيجية تجنب الوطن ويلات توسع نطاق ثقافة التقطعات وتبعاتها الكارثية، فإذا ما ظلت الحكومة أسيرة صراعاتها الخاسرة فإنني أدعوها بحق «المواطنة» إلى أن تتبنى مؤتمر حوار متفرد يتداعى إليه المتقطعون والراغبون في التقطع مستقبلاً لمناقشة إصدار ميثاق شرف يكفل تنظيم عمليات التقطع ويضفي على المتقطعين مسحة أخلاقية تقي المسافرين مما يكابدونه من عناء وانتهاك ومخاطر على أن يتم بدء سريان مفعوله من تاريخ التوقيع عليه من قبل حمران العيون.. شريطة أن يشرف على الميثاق خبراء صوماليون لهم باع طويل في القرصنة البحرية والبرية.. ويستمر العمل به كمرجعية.. إلى حين ميسرة للحكومة..!!