مجلس الشعب المصري يقر قانوناً يمنع رموز النظام السابق من الترشح للرئاسة في الانتخابات المقبلة. بصراحة لا أعلم لماذا يصر المصريون على تشويه صورة ثورتهم التي أبهرت العالم، ويفتحون الماضي لانتقاء أكثر شيء وساخة وشؤماً، يرمونه أمامهم؟. الثورة ليست مشروعاً انتقامياً أو تشفياً، الثورة فكر ونقاء ورقي وتسامح، ومتى تسامحت الثورة أخمدت تلك النار التي لاتزال تحت الرماد، بل إن مشعلي النار تلك سيخجلون من أنفسهم عندما يجدون أن الوطن للجميع، وهو ما قامت الثورة من أجله وليس الانتقام، كما تزين لهم شهوة السلطة. ورغم أن ثوار مصر يعرفون أن تلك الطبقة الحاكمة التي فقدت وجودها السياسي الهلامي وستفقدها لا محالة بعد الثورة، عليها بل لا آمل في أن تستمر، لا أعلم لماذا يخافونها بهذا الشكل؟ بل إنهم بهذا العمل يصنعون شرخاً في البنية الاجتماعية للمجتمع المصري، خصوصاً عندما تصبح الثورة مصدراً للطبقية والتمييز بين المواطنين، حسب معايير تذكي الفتنة. وهو ما يترتب عليه أن ترتكب الثورة أخطاء من ثارت ضده، وعندما تمارس الثورة أعمال وأخطاء الماضي - الذي ثارت ضده - تصبح الثورة مشروعاً تأديبياً لا أقل ولا أكثر، وتفقد روحانيتها وحيويتها ورونقها، بل إنها تصبح أشبه ما يكون “يوم لك ويوم عليك”. وسنقول عندها: “ها نحن والحمد لله جميعاً استوينا خائنين”، ونفقد القيمة المعنوية من قِبل من ضحوا فيها، وبهذا سيظل المتصارعون - وليس الثوار- في حلقة مستمرة، مع إغفال المصلحة الوطنية العليا؛ يدورون حول الانتقام، وصنع مشاريع التأديب على حساب الشعب المغلوب. وكذلك في اليمن يجب ألا ننزلق إلى مأزق مصر، وكفى عظة وعبرة تلك الرسالة التي وجهها “مانديلا” ونشرتها أغلب الصحف العربية والعالمية إلى تونس ومصر بعيد الثورتين:”ألا تلتفتوا إلى الماضي وحدّقوا بقوة إلى بناء المستقبل”. ونحن أحوج لذلك من مصر؛ لأن ذيل الأفعى مازالت تتحرك، وعلينا ألا نرفع صراخنا باسم الشهداء، ونتاجر بها لتحقيق أجندة خاصة، كما بان مؤخراً؛ لأنهم لم يقدموا أرواحهم لمحاكمة قاتليهم بل هي إهانة لهم بحد ذاتها، وعلينا ألا نحصر المشهد في”شهداء وقتلة” - كما قال الدكتور ياسين سعيد نعمان - حتى يكون للتضحية قيمتها ومكانتها. وعلينا إسدال ستار حديدي على الماضي، والتطلع بكل قوة نحو المستقبل الذي نتطلع إليه، والذي في سبيله قدم شهداؤنا أرواحهم الطاهرة ودماؤهم الزكية، ولنرتشف من روح الثورة الغزير إكسير الأمل والصمود؛ لنتجاوز كل عقباتنا القادمة، وأولها شره الانتقام وشهوته القاتلة. [email protected]