هنالك مقولة للمفكر العربي جورج طرابيشي يقول فيها : لئن يكن العقل الديني هو أقل العقول الكونية عقلانية ، فإن العقل الطائفي هو أقل العقول الدينية عقلانية ! وهذه حقيقة نرى لها شواهد تترى في سلوك الأشخاص والجماعات المتلبسة بالحالة الطائفية ، فالطائفية والعقلانية نقيضان لا يجتمعان ، وكل تظاهر بالعقلانية من جانب الطائفيين لابد وأن تكشف زيفه الأيام .. ولقد عودتنا القاعدة أن تلعب بالورقة الطائفية في محاولة منها لاستثمار المناخ الطائفي الذي يعم منطقتنا العربية هذه الأيام ، والمراقب لمسار القاعدة يجدها كلما أحست بخسارة مصداقيتها وتنامي السخط عليها جراء حماقاتها الإرهابية تلجأ إلى العزف على الوتر الطائفي الحساس ، فتقدم نفسها كنصير لأهل السنة في مواجهة التهديد الشيعي ، أو كرأس حربة في التصدي للجماعات الشيعية المسلحة ، وهذا هو المستوى الثاني الذي تعمل فيه القاعدة إذا عجزت عن العمل في المستوى الأول الذي تقدم نفسها فيه كنصير للإسلام ومدافع عن المسلمين في مواجهة من تصفهم بالصهاينة وحلفائهم من الأميركيين والصليبيين .. وفي هذا السياق يمكن فهم العمليتين الأخيرتين في صعدة والجوف ضد الحوثيين ، فالقاعدة تعلم مقدار السخط الذي يعتمل في صدور كثير من اليمنيين على الحركة الحوثية ، وإن كان هذا السخط في غالبه لا يصدر عن حس طائفي ، بل عن حس يمقت التوجه الطائفي للحركة الحوثية ، ويمقت سلوكها العدواني الرامي إلى نشر الفكر بقوة السلاح ، كما يمقت ارتهانها للمشروع الفارسي بأبعاده المعادية لأمتنا العربية. ولقد حاولت القاعدة أن تبرر جريمتها البشعة التي راح ضحيتها المئات بين شهيد وجريح في ميدان السبعين بقولها إنها استهدفت جنود الأمن المركزي الذين قتلوا شباب الثورة ! وكانت مقولة سمجة ولم تنطلِ على أحد ، وتعالت الأصوات المنددة بالجريمة النكراء وأحست القاعدة أنها بدأت تخسر الكثير من مناصريها والمتعاطفين معها فتوجهت نحو استهداف الحوثيين في صعدة والجوف في محاولة منها لكسب تعاطف الكارهين للحوثيين وما أكثرهم ! ولم يخلُ بيان القاعدة من النفس الطائفي ، إذ تحدث عن «سقوط عشرات القتلى والجرحى من الحوثيين «الروافض» اليوم إثر عملية ‘استشهادية' نفذتها سرية «عائشة» التابعة ل«أنصار الشريعة» في ولاية صعدة« شمال اليمن». إنها ذات اللعبة التي لعبتها القاعدة في العراق حين قدمت نفسها كنصير لأهل السنة ومدافع عنهم في وجه المليشيات الشيعية المتطرفة ، لكن القاعدة وهي تحاول أن تسوق نفسها من خلال تبنيها لبعض العمليات ضد الحركة الحوثية تقع في وهمٍ كبير إذا ظنت أنها بتلك العمليات ستغطي على جريمتها الكبرى في ميدان السبعين ، فالشارع اليمني بأغلبيته الساحقة يرى وكما عبر عن ذلك بصدق وزير الخارجية الدكتور أبو بكر القربي أن القاعدة والحوثية هما وجهان لعملة واحدة .. فعلى الرغم من الخلاف الأيديولوجي العميق بين تنظيم القاعدة والحركة الحوثية، لكن يبقى لكليهما وجه طائفي كالح ... ويبقى التطرف الفكري والإيمان بالعنف هو القاسم المشترك بينهما .. ويبقى التمرد على الدولة ومحاولة التأسيس لدولة داخل الدولة هدفاً لكليهما .. ولذلك لن تقنعنا القاعدة أنها حامية أهل السنة في اليمن ... ولن يقنعنا الحوثي أنه حامي الزيدية في اليمن ... بل كلاهما وبال على السنة والزيدية .. وكلاهما بلاء على اليمن واليمنيين جميعاً .. إن ما نحتاج إليه كيمنيين هو دولة تبسط الأمن والإستقرار في كل ربوع الوطن وتنشر العدل بين الناس وليس كيانات طائفية تشعل الحراق وتؤجج الفتن في سبيل مشاريعها الصغيرة. [email protected]