إن ترسيخ دولة القانون ينبغي أن يظل أبرز خيارات العهد الجمهوري الجديد في ظل ثورة التغيير، وهي من الخيارات التي تخدم حقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية بترابط هذه المفاهيم، بمعنى أن تعطى مبادئ دولة القانون مرتبة دستورية في حالة تعديل الدستور أو صياغة الدستور الجديد، على أن يبقى القانون فوق الجميع، ولا أحد يعلو على القانون ولا حصانة لأحد أمامه إلاَّ في إطار ما سنَّه التشريع. لذلك فإن قيام الجمهورية على مبادئ دولة القانون يحقق هدفين أساسين: أولهما: أن يعكس الدستور – بوضوح - المبادئ التي يقوم عليها المشروع المجتمعي لثورة التغيير، وهي مبادئ دولة القانون التي يجب أن ترتبط منظومتها الفكرية بمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية. ثانيهما: أن يستجيب الدستور للتطور الهام الذي عرفته المنظومة الفكرية الدولية في هذا المجال، فمبادئ دولة القانون ترتبط اليوم بمفاهيم حقوق الإنسان والشفافية والحكم الرشيد التي تدعو إليها الأممالمتحدة والمنظمات الدولية. يقول أحد المفكرين في هذا الشأن: إن دولة القانون هي الدولة التي تخضع في علاقتها بالأفراد إلى القانون، ولكي تضمن الوضع القانوني لكل فرد منهم تخضع هي ذاتها إلى نظام قانوني، وذلك بوصفها تحكمهم وفق قواعد؛ منها ما يحدد الحقوق الخاصة بالمواطنين، ومنها ما يضبط مسبقاً الوسائل والطرق الواجب اتباعها من أجل تحقيق أهداف الدولة. وهكذا فإن مبادئ دولة القانون تعني: خضوع الدولة أي مؤسساتها - في علاقتها بالأفراد – للقانون، وفي ذلك ضمان لحرياتهم الأساسية. التزام الدولة - عند تعديلها للقوانين وإصدار قوانين جديدة - بقواعد إجرائية مضبوطة مسبقاً؛ حتى لا يقع تعديل القوانين بطريقة تعسفية وغير صحيحة. إيجاد منظومة قانونية متدرجة تحترم فيها القرارات والقوانين والأوامر، وهذه الأخيرة تحترم الدستور، وهو ما يتطلب وجود مؤسسات حقيقية تسهر على احترام الدستور؛ لأنه في غياب ذلك تبقى علوية الدستور صورية. إن دولة القانون تتطلب وجود محاكم مستقلة، وهو ما يتطلب العزم وبذل الجهود من أجل إقامة دولة القانون وضمان قوته؛ ذلك أن أهمية الدولة وقوتها وعدلها من هيبة قضائها وفعاليته وعدله. [email protected]