الظاهرة السياسية لا تأتي من فراغ أو عدم وهي ليست من نسج الخيال أو الوهم أو مؤامرة صرفة تحاك هنا أو هناك كما أنها ليست افتراضاً غير قابل للتحقق الظاهرة التي نحن بصدد الحديث عنها هي واقع تجلى وظهر وتكشف وأصبح مجسداً ملموساً حقيقياً بشخص اسمه احمد شفيق (الظاهرة موضوع النقاش) بفعل عوامل عده موضوعية نضجت وتشكلت واستكملت شروطها ليس بفعل الصدفة ولكن بفعل الزمن وتدخل الإنسان . ولفهم ظاهرة احمد شفيق علينا الإحاطة بالعوامل والأسباب الذي أفرزت هذه الظاهرة وفي اعتقادي الشخصي المتواضع اعتقد إنها تستحق الدراسة والتأمل والتحقق والتحليل لأهميتها لأنها ستشكل وستحدد ملامح المرحلة القادمة في الوطن العربي (تعويم الاستبداد) . ابرز العوامل التي اسهمت في بروز ظاهرة احمد شفيق : العامل الأول : غياب اتفاق لتعريف محدد وواضح مجمع عليه لكل ما حدث في المنطقة العربية بدءاً من تونس من نهاية ديسمبر 2010م بعد حادثة البوعزيزي الشهيرة مروراً بمعظم دول المنطقة .. حتى الآن غياب ذلك التعريف والتشخيص يجيب بشكل أو بآخر على تفسير ظاهرة احمد شفيق . العامل الثاني :إن عبقرية ثورة الياسمين التونسية تكمن في وضوح وبساطة الشعارات التي رفعتها الثورة (هرمنا – الشعب يريد إسقاط النظام – ارحل ) والتي لخصت و أضفت الشرعية والمشروعية والكيفية التي تسمح بإسقاط نظام والقطيعة الكاملة مع ماضيه الأخلاقي والسياسي المستبد وتقريبا هي نفسها الشعارات التي رفعت في معظم الساحات والميادين في جل عواصم ومدن الدول العربيةإبتداءً من ميدان التحرير في القاهرة مروراً بساحة الحرية في تعز وحتى حي بابا عمرو الشهير في حمص. وحين خفتت وبهتت وتوارت تلك الشعارات مع مرور الوقت لتحل محلها شعارات أخرى سمحت للثورة المضادة بإنتاج البيئة الحاضنة لظاهرة احمد شفيق . العامل الثالث: إن الاستبداد بطبيعته لا يخشى الأفراد بل يخشى الجماعات المنظمة ولذلك فهو يلجأ إلي التفاهم وعقد الصفقات معها (جغرافية ما بعد ثورة وتاريخ ما قبلها ) أما الأفراد فيكون مصيرهم التخوين والمعتقلات ( في مصر وحدها يقف الآلاف من خيرة شباب الثورة أمام محاكم عسكرية ). العامل الرابع : لعل أخطر تركة للاستبداد هي تمكنه بفعل عامل الزمن من تستطيح وتصحير العقل والمعرفة (نسبة الامية في مصر 40 % !) مما سهل له اللعب بورقة الأمن والاستقرار والخدمات ورغيف العيش كل ذلك أسهم وعن قصد في تنامي وتزايد الشريحة التي تسمى في مصر( حزب الكنبة ) وهي الشريحة التي تقف وتساند ظاهرة احمد شفيق . العامل الرابع : لا يمكن إدارة مرحلة انتقالية بعد ثورة بنظرية المغالبة والاستحواذ أو (التكويش ) كما يقول إخوتنا المصريون ذلك مشروع في الديمقراطيات المستقرة ولكن ليس في مرحلة التحول الديمقراطي بعد ثورة . أن التكويش أسهم أيضا في بروز ظاهرة احمد شفيق . العامل الخامس: إن تفكك وضعف وترهل الأحزاب التقليدية والاعتراف بمحدودية تأثير شباب الثورة لعدم الخبرة وقلة الموارد في العملية الانتخابية وكذلك تفرقهم قد أسهم في إبراز ظاهرة احمد شفيق (رغم حصولهم على نتيجة 44 % من أصوات الناخبين).. العامل السادس: لقد استغلت بعض القوى أحداث العباسية أيما استغلال عبر شيطنة الثورة والثوار ليتحول شعاره من الخروج الآمن إلى البقاء الآمن .ولن يجد أفضل من احمد شفيق لتحقيق ذلك البقاء الآمن للضرورة و لتزيد من فرص نجاح احمد شفيق في جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية. ولكي لا تتكرر ظاهرة احمد شفيق (تعويم الاستبداد) في أماكن أخرى علينا أن نتوقف عند عبقرية تونسية رائعه تكمن في ظاهرة أخرى عكسية (ظاهرة الشيخ الجليل والفاضل راشد الغنوشي) ظاهرة تصنع الفارق وتستحق التحية والاحترام وهي موضوع آخر للبحث . [email protected]