الذهاب إلى الحوار الوطني دون تهيئة صحيحة قد يزيد من تفاقم الأمور والمشاكل وإطالة الأزمة وتعقيدها,فإذا ذهبنا إلى ذلك الحوار وفق المرجعيات الحزبية والقبلية ووفق المطالب الخاصة والصفقات المتبادلة,فإننا نذهب إلى مساحة مظلمة يضيع فيها المنطق والرؤية الصائبة مما يفقدنا المطلب الرئيس بالوصول إلى دولة مدنية حديثة, ونظام تشارك فيه كل الأطراف بعيداً عن الإقصاء والتهميش,وبدون ذلك لا شك أننا سندخل في دوامة يصعب بعدها التوصل لحلول تنتج سيادة القانون, والعدالة الاجتماعية, التي هي من أهداف وأولويات مؤتمر الحوار الوطني الذي ننتظر منه الكثير والكثير. واقع اليوم حقيقة غير مشجع بما نلمسه من الأطراف المعنية بتهيئة تلك الأجواء خاصةً في الجانب الإعلامي,حيث غاب فيه الحديث عن أسس ومبادئ ومحددات ومنهجية وضوابط وأولويات الحوار كأمر مهم ومنطقي, تأسيساً على ذلك الغياب يمكننا التذكير بل والدعوة لأن يكون هناك إعلام وطني وحزبي وأهلي يؤدي دوره الوطني لتهيئة الأرضية المناسبة للحوار الوطني, وتهيئة الظروف السياسية بين جميع الأطراف المشاركة في الحوار, وذلك من خلال وقف الحملات الإعلامية المتبادلة بين هذه الأطراف,خاصةً وأن المواطن اليمني لعقود طوال قد تعود على ذلك الشطط الإعلامي المشتعل بعبارات الاختلاف المستمر بين حزب المؤتمر الشعبي العام وحلفائه من جهة، وأحزاب اللقاء المشترك وشركائه من جهة أخرى دون كلل أو ملل,ودون اعتبار للمسئولية الوطنية حتى هذا اليوم لم تثنيهما أنهما شريكان في حكومة الوفاق الوطني. ولذا لا يمكن أن يجرى أي حوار في ظل تلك الحملات الإعلامية المسعورة المتبادلة بين الفريقين وتلك المماحكات والمهاترات الإعلامية والتي لا ترقى إلى مفهوم المسئولية الإعلامية والوطنية الحقة, والشراكة القائمة بين الطرفين اللذين تعهدا بقيادة المرحلة الانتقالية, والوصول بالسفينة اليمنية إلى بر الأمان, وبناء اليمن الجديد, والتعاطي مع المرحلة بجدية ومسئولية, بعيداً عن الاتهامات المتبادلة والمناكفات التي لا تخدم قضايا الوطن ولا تساعد على تهدئة الأوضاع, فما بالنا بإنجاح الحوار، ومن هنا نجد أننا بحاجة إلى ميثاق شرف وقانون إعلامي فاعل لاحتواء هذه المهازل التي باتت تشكل ثقافة ووعي المجتمع, وهي طبعاً ثقافة سلبية تُكرس مناهج غوغائية وسلوكيات غير أخلاقية تكبح أي توجه للمستقبل. إن السياسة الإعلامية القائمة للأسف الشديد تسعى إلى تكريس الفوضى, والسؤال الذي يبادر المواطن العادي قبل المثقف: كيف يتسنى لقيادات تلك الأحزاب أن تقبل بتلك السياسة الإعلامية الصادرة عنها؟ سؤال الإجابة عنه لاشك تصيب من يحاول البحث عنها بالخزي إن لم يكن الإصابة باليأس والإحباط من هذه الأحزاب التي لم تستطع الخروج من عقدة النقص التي لازمتها فيٍ مسيرة طويلة من التجربة الديمقراطية, وهي تجربة لم تراوح حروفها الأولى دون أن تستطيع التقدم خطوة واحدة إلى الفعل الواقعي الممنهج, الذي يصب في خدمة الوطن والارتقاء بتجاربه الديمقراطية والمجتمعية بشكل عام. في هذا السياق يتحمل شريكا الحكم مسؤولياتهم الوطنية أمام الشعب اليمني والضمير الإنساني لإخراج اليمن الأرض والإنسان من شرنقة الموت البطئ, وأن يعيا حجم ما تخلفه حربهما الإعلامية من أضرار نفسية واقتصادية وأمنية واجتماعية بالشعب والوطن, عليهم أن يكبروا كِبر هذا الوطن الصابر على ترهاتهم ونزواتهم الشيطانية,كفى زرعاً للكراهية في أوساط الشعب,أفيقوا أيها الفرقاء , يكفي اليمن ما حل به وما وصل إليه من فرقة وسفك للدماء, آن الأوان للشعب أن يعيش حلمه في مستقبل مشرق لبناء اليمن الجديد, يمن يتساوى فيه الجميع,وهذا لن يتأتى إلاّ بالحوار الوطني والجلوس على طاولته وأن يكون شاملاً, ودون شروط و سقوف مسبقة أو خطوط حمراء.. إذاً فعلى إعلامنا المرئي والمسموع والمقروء, حزبياً وحكومياً وأهلياً, أن يقوم بدوره الوطني الهام والعاجل في التهيئة للحوار الوطني, وذلك في إتباع خطاب إعلامي يقوم على تنمية قيم التسامح وتضميد الجراح، ومعالجة ما أنتجته المرحلة السابقة من تناقضات، وانتهاج سياسة إعلامية تمهد لبناء يمن جديد ديمقراطي مزدهر، تستوعب مجمل الجهود التي بذلت من اجل الخروج باليمن من الأوضاع الراهنة, بعيداً عن الانحياز لطرف على حساب الطرف الآخر, وإنما الانحياز لمصالح الوطن والمواطن اليمني, وبعيداً عن التمترس والقبض على الزناد, ونزع عناصر التوتر السياسي والأمني,نريد إعلاماً يقرب ولا يفرق,إعلاماً لا يستهزئ بعقول وقلوب الشعب,إعلاماً يصنعه أناس وطنيون تهمهم مصلحة الوطن في التقارب والحوار, لا إعلاماً يصنعه مخزنون لا هم لهم سوى اللهث وراء المال وإشباع بطونهم قبل عقولهم الفارغة..لدينا أمل كبير في إعلامنا الوطني والحزبي والأهلي أن يعي مهامه ومسئولياته الوطنية وعلى القائمين على هذا الجهاز الهام والخطير وإلى حكومة الوفاق الوطني أن يدركوا جيداً خطورة هذه المرحلة الدقيقة والحرجة للغاية التي يمر بها وطننا الحبيب, والتنبه إلى خطورة الاستمرار في السير بهذه السياسة الإعلامية، وأن يكونوا عند حسن ظن شعبهم بهم.. حتى الآن يظل حسن الظن في أدنى مستوياته, فهل يحسنوا الظن حتى يصدق الشعب معهم..؟!