ربما آن الأون الحديث عن تحرير الثورة من أسر الساحات, يجب ألا تتحول الساحات إلى قيد, من المهم التنبه إلى أننا في نضالنا قد نصير أسارى الوسائل والأدوات , من الخطأ أن تغدو الوسيلة هدفاً أو غاية , من المهم أن لا نتوقف عند وسيلة بعينها بحيث نرهن الفعل الثوري ببقاء تلك الوسيلة أو الالتزام بها , يتوجب على كل مكونات الثورة أن تتدارس هذا الأمر , وتتخذ فيه قراراً حاسماً يبعدنا عن هذه المراوحة المرهقة, ثمة أسئلة هامة وملحة ينبغي أن لتكون أساسا للنقاش وهي: هل أدت الساحات دورها ؟ وهل استنفدت مهماتها ؟ وهل ما زالت رافعة للفعل الثوري ؟ أم أنها أصبحت عبئاً يثقل كاهل الثوار ويحد من حركتهم ونشاطهم ؟ يجب أن تكون اعتبارات البقاء أو الخروج ثورية محضة. إن استهلاك الساحات بصورة غير مسئولة يضربها كأداة ثورية في الصميم ومن شأنه أن يخلف ذكرى سيئة تمحو كل نبيلٍ وحميم. إن بقاء الساحات دونما حفاظ حقيقي على فعاليتها ورمزيتها أمرٌ لا طائل من ورائه, وأسوأ ما يفعله الإساءة لهذه الأمكنة العزيزة بحمولاتها المستقرة في الوجدان والذاكرة. لقد كانت الساحات نقطة انطلاق ولا يصح أن تصير أداة انغلاق, ربما يقتضي التغيير الآن تغيير الوسائل والبحث عن أدوات فعل مواكبة وأكثر انتشاراً وأقدر على اختراق المناطق التي ما زالت مغلقة أو مسيجة. ربما يتحتم علينا وبعيداً عن العواطف والانفعالات التفكير جيداً بأهمية تسسييح الساحات على نحوٍ يجعل من الوطن كله بالاعتمالات الجارية فيه ساحة عمل ونشاط لا يحد, وساحة احتجاج واسعة موارة لا تهدأ, يتقاسم فيها الجميع أعباء السير على طريق تحقيق أهداف الثورة. من الخطأ تحول الساحات إلى أداة فرز بحيث يغدو مجرد القول بالخروج خروجاً ومروقاً عن الثورة وخيانة للشهداء, قد نخون الثورة ودماء الشهداء ونحن قعود في الساحات. الثورة ليست الساحات, الثورة إيمان وعمل يتجاوز المكان والزمان, فعالية وحضور يملأ كل المساحات , مغادرة الساحات لا يعني التخلي عن الثورة وانتهاء المهمات , في القاهرة يمتلئ خلال ساعات, وهذا لأن الشعب لم يغادر الثورة , ما زال متأججاً ومستعداً وفي حالة استنفار دائمة. ثمة ساحات وساحات تنتظرنا للقيام بواجباتنا ومسؤولياتنا , كل الميادين مشرعة ومفتوحة , وخيارات التغيير لا تضيق إلا حين تضيق الرؤية. الثورة اليوم حالة عامة , كانت الساحات محاضن مرحلية لها عملت عبر المخاضات الصعبة على الدفع بالثورة نحو الانتشار, وحسمت سير اليمن إلى الأمام على طريق التغيير, اتسع نطاق الثورة وصار ثقل التأثير عاماً, والضامن شعبٌ كبير يريدون وطناً يكفيه. هذا رأي خاص بالطبع ولا ينتقص من الدوافع النبيلة لمن يجادلون في هذا الشأن مخالفة أو موافقة, وبقي التأكيد على أن الساحات باقية وأن الرهان هو بقاؤنا ثواراً في حالة ثورة , يقظين ومنتبهين ومحتدمين في كامل الطاقة والفعالية جاهزين دوماً للانطلاق من أي مكان وفي أي وقت لمواصلة النضال. وتحية إجلال لكل الذين رابطوا واعتصموا وما زالوا واقفين في كل الساحات بشموخ شعب عظيم يرفض العودة دون الوطن.