على جدران الزّمن؛ نكتب ويكتبون.. نرسمُ بخيالاتنا ملامح المدينة الفاضلة، أو نحولها في جرّة قلم إلى مدينة متهالكة بائسة.. نسمح لأنفسنا في بعض الأحيان أن نخربش كالأطفال..نرسمُ خطوطاً عشوائيّة لا معنى لها.. نمارسُ الجنون عبر القلم والأوراق.. نفرّغ شيئاً من قلقٍ يعترينا, بحركاتٍ انسيابيّة خبرتها الأوراق منذ أن اخترعت وحتى اليوم. رغم أن الحاسوب قد حمل اليوم بعض العبء عن القلم والورقة، إلا أن لذة الكتابة لدى كثير ممن يعشقها اقترنت برائحة الحبر والأوراق, تلك الرائحة المحرضة لرغبة الكتابة، والتي تثيرُ بعض الأفكار النائمة، لتوقظها وتهذبها وتبلورها في قالبٍ جميل، أو ترتب الأفكار الطائشة، فتولد سلسلة من المقالات المنظومة بإتقان، فتتسلل إلى عقل القارئ، لتحرك فيه الساكن، وتدفعه لأن يقوم بردّة فعلٍ إيجابيّة، قد تكون ثورة أو غضباً، صرخة فرح أو دمعة حزن، انفعالات تترسخ في العقل، لتنتج فعلاً حقيقياً، أو تضمر شعوراً باللذة والمتعة، وإن كان ذلك الشعور حزيناً أو مؤلماً. هذا ما يفعله الإبداع حين يرسم سيمفونيته الخاصة بأنغامٍ عذبة على محيط الأوراق، فينشئ عاصفة خاصة، تقلب كل شيء، لكنها ترتب كل شيء أيضاً في الوقت نفسه!. ليس كل البياض محبذاً، إذا كان البياضُ يعني الفراغ أو السكون، الصمت القاتل، التلاشي والضياع. هنالك خطوطٌ سوداء ترسم على الجبين الأبيض تترك معنى له أثر، هنالك خطوطٌ يرسمها القلمُ في الحياة، تقلب المفاهيم السائدة، والتي عفا الزمان عليها، وتصنع مفاهيم جديدة مؤثرة، لها جمالية ومعنى، بل إن جمالها يكمن في روعة المعنى. تلك الخطوط على جبين الورقة، كم تشبه الخيل الغر المحجلة، والتي تحمل أصالتها عنواناً لها أينما حلّت، وهي التي يحرص الناس عليها كي تبقى كما هي أصيلة، مهما طال الزمان.. وهي الجمال الذي لا يندثر؛ لأنه حقيقي صادق، لا زيف فيه ولا عوج. هي كذلك قطرات الحبر حينما تدب فيها الحياة، فتنطلق بفرح، وقد بات لديها هدف، وأصبحت تمتلك رسالة مهمة للبشرية، تتولى هي شرف تبليغها في مدة زمنية محددة، لتتسلم المهمة قطرات أخرى، تتشرب سمو المعاني التي كانت، وتقولبها بروح العصر. يظن بعض الناس أن الكتابة كنقوش فرعونيّة منقوشة على جدار قبر مغلق، قد تكتشف في يوم من الأيام، لتعرض أفكارها في متحف الحياة، يمر بها الناس زائرين، فيعجبون، وعند المساء تغلق الأنوار، وتعود إلى قبر آخر جديد وواسع، لكنه خانق أيضاً!. والحقيقة هي أن الكتابة تشبه النور، فهي قادرة على التسرب من الشقوق الصغيرة إلى أكثر الأمكنة ظلمة.. الكتابة كمحرك الطاقة، تولد النور ولو من شعاع ضئيل، لتصنع أملاً.