منذ أيام قليلة أقامت مؤسسة (الثورة) للصحافة لقاء وندوة تكريمية للأستاذ المرحوم محمد ردمان الزرقة بمرور أحد عشر عاماً على وفاته، وتلك لفتة ومبادرة كريمة من الأستاذ الخلوق الوفي عبدالرحمن بجاش - رئيس مجلس إدارة مؤسسة الثورة - وليس غريباً ذلك منه، فقد عرفنا فيه الوفاء والعرفان والتقدير لأساتذته وزملائه. وفي الحقيقة لقد كنا نتوقع أن يتم ذلك اللقاء التكريمي قبل سنوات عقب وفاة الأستاذ الزرقة، لما يكنه أغلب زملائه وتلامذته له من تقدير واحترام حياً وميتاً، وذلك لما كان يتمتع به من حضور طاغ في ميدان الصحافة والإعلام ولتميزه في كتاباته وممارسته لمهنة الصحافة، وهو قد سبق أن كرم مرات عديدة من رئاسة الدولة ومن جهات أخرى رسمية وغير رسمية بأوسمة ودروع وشهادات تقديرية.. ولكن التكريم له عقب خروجه من مؤسسة (الثورة) وعقب وفاته من قبل المؤسسة والصحيفة اللتين أفنى عمره وجهده فيهما تأخر كثيراً عن وقته وأوانه، حيث كان المتوقع أن تبادر إدارة المؤسسة في حينها لهذا الفعل الحسن والطيب، تقديراً وعرفاناً منها للأستاذ محمد الزرقة، لما له من أياد وجهود لا يستهان بها في إصدار صحيفة (الثورة) منذ عام 1962م وحتى وفاته، وكذلك في إنشاء وتكوين مؤسسة (الثورة) التي كانت تحمل اسم مؤسسة (سبأ) للصحافة، وكان يصدر عنها حين ذاك صحيفتا (الثورة) و(الجمهورية) اليوميتان وبعض صحف ومجلات أخرى أسبوعية وشهرية.. ولقد عرفته شخصياً حريصاً جداً على استمرارية وتطوير صحيفة (الثورة) أكثر من أية صحيفة أخرى تصدر عن مؤسسة (سبأ) سابقاً أو مؤسسة (الثورة) حالياً، ولا يلام لأنه كان يعد صحيفة (الثورة) مولوده الذي نشأ وترعرع في كنفه وبجهوده. ولهذا أقول: إن التكريم من (الثورة) جاء متأخراً، وأعتقد أنه لو لم يتولّ الأستاذ عبدالرحمن بجاش رئاسة (الثورة) لما حدث التكريم، ولما أنصف المرحوم الزرقة من زملائه وتلامذته.. فشكراً للأستاذ بجاش لفتته الكريمة ومبادرته الطيبة، فمن لا يقدر جهود ومواقف الآخرين لا ولن يقدره أحد، كما يشكر الأستاذ علي العمراني وزير الإعلام على حضوره ذلك اللقاء التكريمي وعلى ما قاله بحق المرحوم الأستاذ الزرقة. وبقدر الارتياح والسرور الذي تملكاني إزاء اللفتة الكريمة من مؤسسة (الثورة) وقيادتها الجديدة تجاه فقيد الصحافة والصحافيين المرحوم الأستاذ محمد الزرقة، بالقدر نفسه وربما أشد وأقوى استأت وحزنت كثيراً عندما قرأت ما كتبته الناشطة الإنسانية الأستاذة أروى عثمان في صحيفة (الجمهورية) الغراء عن الأستاذ صالح الدحان وعن تدهور صحته، حتى صار طريح الفراش وتحت العناية المركزة، بينما ملفه يدور ويلف في أروقة سلطات الدولة وبين رئاسة الوزراء ووزارة المالية منذ شهور وربما أكثر من عام كامل، وكأنهم ينتظرون وفاته ليفوروا على أنفسهم صرف ما لا يريدون صرفه إنقاذاً لحياة عملاق من عمالقة الصحافة اليمنية ورائداً من روادها، ذلك لأن أرواح الصحافيين رخيصة جداً سواء عند من كانوا في النظام السابق أم اللاحق. ولولا ما كتبته الأستاذة أروى عثمان وصرخت به في وجه المسؤولين لما بادر الأستاذ باسندوة بالتوجيه بمعالجة الأستاذ الدحان والاهتمام به، ولما زاره في سرير مرضه وتفقد حالته، ولما تذكر زمالته في النضال السياسي أيام الاحتلال البريطاني، وهذا يدفعنا لنشكر الأستاذة أروى عثمان على صرختها وتنبيهها للمسؤولين تجاه الوضع الصحي المتدهور للأستاذ الدحان. أولئك المسؤولون الذين لا يقلقهم الوضع الصحي والإنساني الذي تعرّض أو تتعرض له عديد من الهامات الوطنية الشريفة، وما يمكن أن يحدث لهم، بقدر اهتمامهم بحالات كثيرة لا تستحق القدر اليسير من اهتمام المسؤولين أو رعايتهم؛ لأنهم في الحقيقة أغنى من الدولة، ومع ذلك ما إن يصاب أحدهم باليسير من الألم أو بخدش صغير حتى تبادر السلطة لإرساله إلى أحد مشافي الخارج للمعالجة على نفقتها، مع أنهم ليسوا إلا عبء عليها وعلى البلاد والعباد لا نرى منهم خيراً ولا نفعاً، إلا لأنفسهم وهذا الحال قائم حتى بعد ثورة الشباب وثورة التغيير، ولذلك من الخطأ أن تظل الهامات الوطنية سواء في مجال الإعلام أو في كافة المجالات عرضة للإهمال والتجاهل، وعيب أن لا يلقون جزءاً من اهتمام الدولة ومسؤوليها رداً للجميل تجاههم.. فهذا الوضع لا ينتج عنه إلا الإحباط واليأس من انعدام الإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه جزاء جهوده وعطائه اللامحدود الذي بذل خدمة للبلاد. وكم أتمنى وأدعو الله سبحانه وتعالى أن تكون حالة الأستاذ الدحان آخر الحالات التي تقابل وتواجه بالتغاضي والإهمال، فنحن لا نطلب ولا نريد إلا الحق، ولا شيء غير الحق لا زيادة ولا نقصان، وأن تسير معاملات المستحقين دون عرقلة أو إهمال، فأمثال الأستاذ الدحان - شفاه الله – كثر، وكلهم لا يرون إلا أقل القليل مما يحصل عليه كثير من المتنفذين الذين لا يجيدون إلا الابتزاز، كالطفيليات تمتص الدماء مع العظام أحياناً.. إلا أنهم يلقون كل رعاية واهتمام الدولة في صحتهم أو مرضهم؛ لأنهم يتكيفون مع كل عهد وكل وضع، يلبسون لكل عهد لبوسه، فقد كانوا مع النظام السابق، وما إن هلت ثورة الشباب حتى غيروا جلودهم ك (الثعابين) وصاروا ثواراً وادعوا حماية الثورة والثائرين و(زقوا) المهرة على الجميع لتتواصل مصالحهم وتستمر. بينما الثائرون الحقيقيون والشرفاء يئنون في مرضهم، ينتظرون لعل الله يمنّ عليهم بالشفاء، ويلهم من بيدهم مقاليد السلطة ليهتموا بهم ولو قليلاً، ليحصل من له حق على حقه الطبيعي والإنساني الذي كفله الدستور وكفلته الشريعة السمحاء.