يُعتبر مؤتمر الحوار الوطني القادم المرحلة الأهم في المبادرة الخليجية , حيث يعقد عليه المجتمع الدولي و الاقليمي و اليمنيون في كل مكان الآمال العريضة في إخراج اليمن من أزمتها إلى بر الأمان , و يُعتبر نجاحه هو الخطوة الأولى في بناء اليمن الحديث . و يتخوَّف الكثير من المراقبين من احتمالات فشل المؤتمر بسبب الملفات المعقدة و المطروحة للنقاش , و التي من أهمها القضية الجنوبية و الحوثيين في صعدة و وضع الدستور الجديد و كيفية الحكم في اليمن الجديد . إلا أننا نرى أن جميع تلك القضايا ليست مستحيلة التحقيق , فالقضية الجنوبية و التي تُعتبر الأهم لأنها تمثل بقاء الوطن موحدا ً ليست صعبة الحل , حيث يمكن طرح كل أبعادها و أسباب نشأتها على طاولة الحوار , فأسباب نشأتها كانت رد فعل لأفعال النظام السابق و سياساته في الجنوب , و كانت كل تلك الأسباب مبررة , إلا أنه من غير المعقول و من غير المقبول أن تتطور القضية الجنوبية من مطالب إعادة الحقوق لبعض ضباط الجيش الى المطالبة بالإنفصال. فبعد قيام ثورة 11 من فبراير و بعد التغيير الذي حصل في رأس النظام و بدء تنفيذ المبادرة الخليجية و آليتها المزمنة أصبحت كل مطالب الجنوبيين و الخاصة باسترداد حقوقهم و رفع مظاهر الظلم عنهم و إرساء مبدأ العدل و المساواة بين الجميع , فقد أصبحت تلك المطالب مطالب اليمنيين على طول الأرض اليمنية شمالا ًو جنوبا ًو شرقا ًو غربا ً , فقيام الدولة المدنية الحديثة سيضمن للجميع كل حقوقهم و مطالبهم و لا حاجة بعد ذلك للحديث أو الدعوة للانفصال , وإذا تبقى بعد ذلك من يريد الانفصال بدوافع خارجية فلا مانع من اللجوء الى الاستفتاء , و الذي سيثبت فيه الشعب اليمني في الجنوب أنه وحدوي حتى النخاع و أنه سيحافظ على نضالاته الطويلة في تحقيق الوحدة اليمنية المباركة , و سيقول نعم للوحدة و لا للإنفصال . كذلك قضية الحوثيين في صعدة فلا توجد صعوبة في الحوار معهم , فالشعب اليمني يرحب بأن يكون لهم حزب سياسي , شرط أن يكون حزب من أجل اليمن و أمنه واستقراره , و بشرط أن يكون حزبا ً كغيره من الأحزاب داخل الساحة اليمنية يحمل الفكر و لا يحمل السلاح . و أما القضايا الاخرى و المتمثلة في وضع الدستور الجديد , فيمكن الاتفاق على إنتخاب لجنة من جميع القوى السياسية و منظمات المجتمع المدني لوضع دستور جديد يُعرض بعدها على الشعب للإستفتاء عليه . و بالنسبة لنوع نظام الحكم في اليمن الجديد حيث يمكن الاتفاق بين جميع القوى السياسية على أي نظام رئاسي أو برلماني أو نظام حكم محلي فيدرالي و تقسيمه اليمن الى عدة أقاليم , فكل شيء ممكن بشرط أن يكون النظام المتفق عليه يخدم المصلحة العليا للوطن و وحدته و أمنه و استقراره. و خلاصة القول : إن كل القضايا التي ستُطرح في مؤتمر الحوار الوطني القادم كلها قابلة للحل و قابلة للنقاش , و أن مؤتمر الحوار الوطني القادم يجب أن يُكتب له النجاح و لاشيء غير النجاح , لأن الفشل يعني العودة باليمنيين الى المربع الأول و هذا لن يسمح بحدوثه لا المجتمع الدولي و الاقليمي ولا اليمنيون الذين يحلمون بيمن ٍجديد يحققون فيه أحلامهم و أحلام أبنائهم , و الذين يضعون نصب أعينهم مصلحة الوطن فوق كل إعتبار . و على الذين ما زالوا يحلمون بفشل مؤتمر الحوار الوطني و يعملون على وضع العراقيل أمام نجاحه إمّا بدافع الحلم بإعادة اليمن إلى ماقبل ثورة 11 فبراير أو بدافع تحقيق أجندة خارجية , عليهم جميعا ً أن يعلموا أن الشعب اليمني قد قرر بناء يمن جديد غير مُلتفت للماضي , رافضا ً لأي تدخل أجنبي في شؤونه .