ما حدث ويحدث للسفارات الامريكية في العديد من الدول العربية من اقتحام شعبي يعد من وجهة نظري نتيجة لما تعرض له نبينا الحبيب عليه أفضل الصلاة والتسليم من إهانة على أيدي بعض أعداء الاسلام في الغرب، ورد الفعل الامريكي أول مرة على هذه الإهانة او الجريمة الشنيعة باعتبارها تعبيرا عن الرأي !!! او تصريحا غير مدروس !! ويكتفون بهذه الحجة وكأن الأمر لا يشبه على الأقل نكران المحرقة الهتلرية التي طالت اليهود والتي هي مدانة منهم حتى لو كان المحروق يهوديًا واحدًا ولأنه يهودي فليس المهمُ بالقيمة الانسانية او العدد ، فنحن لا نستغرب هذا أيضا من أوروبا التي يملأ تاريخها الاضطهاد لهم، ولم يسلموا حتى هاجروا لتحتضنهم الأندلس ومن ثم المغرب والدولة العثمانية ، ومع هذا فإن الكلام عن المحرقة ليس تعبيرا عن الرأي، وإنما الكذب والبهتان على رسول أمة هو حرية رأي، وهذا هو تفكير عباقرة الغرب وهذا مآل ديمقراطيتها. إن تكرار الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى وجود الحقد والتعصب الأعمى عند البعض في الغرب الذي يقف وراء ذلك، والجهل والتجاوز لمن يسمح لهم بذلك، فإن مشاعر مليار ونصف مليار مسلم لا يمكن أن تسكت على هذا الاعتداء على أكبر مقدساتها التي تفتديها بكل غالي ورخيص، ولا يمكن لأحد أن يضع حدوداً لمشاعرها الغاضبة. والغرب في إساءته القبيحة للإسلام انطلق من منهجية واضحة وراسخة في ذهنه، ولم يكن ذلك خبط عشواء أو ارتجالا كما يزعم البعض، أو فقط ردّةَ فعل على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، التي ضربت الولاياتالمتحدةالأمريكية، بل نرى تناغمًا من ورائه قوى تحركُه في ظلام الجهل والحقد الغربي على الأمة الإسلامية. ويهدف الغرب من وراء هذه المنهجية المنظمة في النيل من مقدسات المسلمين وعقائدهم إلى عدة أهداف منها جس نبض الشارع العربي والإسلامي, لمعرفة حرارة التديّن في الشارع المسلم، والمصادر التي تقود إلى توهج هذه الحرارة، والعوامل التي تؤثر فيها، ومن ثم جعل الإساءة إلى مقدسات المسلمين أمرًا طبيعيًا, فالغرب يعمل على امتصاص ردود الفعل الشعبية المندفعة عقب كل حادثة، ثم يعاود الإساءةَ مرة أخرى؛ حتى يتكون شعورٌ داخلي لدى المسلمين بكون هذا الأمر طبيعيًا ومتقبلاً؛ وهو ما قد يكون له تأثير في منزلة هذه المعتقدات والمقدسات لدى المسلمين على مرور الأجيال، فيتم “تذويب” معالم الدين رويدًا حتى تظهر أجيالٌ ممسوخة تستحيي من هويتها وانتمائها الديني، وتجري لاهثة وراء الغرب وقيمه الخاوية التي يستعلي بها. ويسعى الغرب نحو تكوين رأي عام غربي مناهض للإسلام؛ من خلال التعرض المباشر لمقدسات الدين، وإظهار الإسلام على أنه نموذج للرجعية والتخلف، وأن دعاته همجيون لا يؤمنون بحرية الرأي والمعتقد. والرأي عندي أن دافع الغرب في ذلك هو إجهاض أي توجّه يقود الشعوب هناك لرؤية الإسلام بوجهه الحقيقي كما أنزله الله، والخوف من “أسلمة القارة الأوروبية”، وهو الأمر الذي لم يعد خافيًا على أحد؛ حتى نطقت به أفواهُ الغرب مرارًا.
ثم هو يهدف أيضا إلى تدمير ركائز النهضة الإسلامية, فالغرب يدرك جيدًا أن نهضة هذه الأمة لن تكون إلا بالتمسك بمرجعيتها الدينية وثوابتها وهويتها الإسلامية، ومن ثَم فهو يخشى من يقظة العملاق مرة أخرى، وهو ما قد يقوِّض أحلامَه في سيادة الكون، خاصة مع التآكل الحادث في حضارته المادية التي أَشْقَت الإنسانيةَ التي باتت متطلعةً للمنقذ من هذا الضلال والشقاء المزخرف بمادية طاغية استعبدت الإنسانَ الغربي وأنهكت قواه الروحية. ولقد أدرك الغرب تلك الحقيقة، فراح يقابلها بمحاولة القضاء على مرتكزات النهضة الإسلامية، المتمثلة في ثوابت الأمة ومقدساتها؛ خشية القادم الذي يزيله من كرسي الريادة، ويضعه حيث مكانه الصحيح في قاع الحضارة الإنسانية. من هنا ندرك رغبة الغرب في إخراج الإسلام من بين المقدسات، وجعله في منزلة متدنية عن بقية الأديان؛ في محاولة لتهميش أتباعه وجعلهم خارج السياق التاريخي والحضاري، كغيرهم من أصحاب المعتقدات المنكفئة على نفسها البعيدة عن مجرى التأثير الحضاري. وختاماً يمكن القول بأن مواجهة تلك الإساءة للمعتقدات الإسلامية تحتاج إلى دأب وصبر طويل، وتكاتف الجبهات المختلفة التي تستلهم في مواجهتها رُوحَ الجهاد والدفاع عن الدين الخاتم ، الذي فيه خلاصُ البشرية من أسقامها وأمراضها، واض عة نصب عينها أنه لن يكون النصر إلا بالصبر والمصابرة التي تعين على بلوغ المأرب والمراد، والإخلاص الذي يترفّع عن (أجندات) خاصة وأهداف جانبية تضيع في وسطها القضية المحورية . واقول لكل مسلم غيور على دينه وعلى نبيه .. كفانا لهواً وكفانا تخاذلاً فوالله لو رأوا منا موقفاً شامخاً في أول مرة لما كرروها ..... ماذا نقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة عندما نطلب شفاعته ونحن لم تحمر وجهنا حزنا على ما ألم بنبينا من أحقر خلق الله وأذلهم وأهونهم على الله وهم يتطاولون على سيد البشرية سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو أغلى علينا من أنفسنا ومصدر سعادتنا في الدنيا والآخرة ... *أستاذ التسويق المساعد جامعة تعز