استكمالا لمسلسل الإساءة للرسول محمد الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم ها هي صحيفة “شارلي هيبدو” الفرنسية تنشر رسوماً ساخرة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، بعد أسبوع على نشر مقاطع الفيلم المسيء للرسول والذي أنتج في الولاياتالمتحدة وبتمويل يهودي، ونفس النغمة المشروخة نسمعها من القيادات السياسية والإعلامية الغربية عقب كل إساءة لرسولنا الكريم بأن ذلك حرية رأي وتعبير !!! ولا أعرف ما هى العلاقة بين الإساءة والتطاول على أى إنسان وبين حرية الرأى والتعبير. فهؤلاء لا يفهمون المعنى الحقيقى لحرية الرأى والتعبير، يدركون أن بمقدورهم سب وقذف من يشاءون دون رابط تحت ستار الحرية، ويعتقدون أن الأديان شىء مباح لهم يعبثون فيها كما يشاءون. فحرية الرأى والتعبير فى أبسط تعريفاتها هى الحرية فى التعبير عن الأفكار والآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو عمل فنى بدون رقابة أو قيود حكومية بشرط أن لا يمثل طريقة ومضمون الأفكار أو الآراء ما يمكن اعتباره خرقاً لقوانين وأعراف الدولة أو إساءة للأديان أو تشويها للرموز، فهناك ثمة فرق بين حرية الرأي والتعبير وبين اعمال وتصرفات تسيء لمقدسات الشعوب والأديان السماوية ، ولماذا يوجد في الغرب قوانين صارمة تحظر المساس باليهود ، ليس فقط من الناحية الدينية، بل ترهب كل من يشكك بالهولوكست ، وهناك العديد من الحالات التي تم فيها تجريم أشخاص شككوا بالمحرقة ، بينهم المفكر الفرنسي الشهير الراحل روجيه غارودي ! هذه اذاً هي منهجية او ديمقراطية الغرب في القرن الحادي والعشرين , والتي في ظلها من الممكن أن يُقرِّرَ العامّةُ مصيرَ فضيلةٍ أخلاقية، أو مصيرَ خطيئةٍ اجتماعية، أو آلية استخدام عدوانٍ فاضحٍ على أديان البشر وعقائدهم ، وكل ذلك مجرّد (حرّية رأيٍ وتعبير)، حسب النسخة الحديثة من الجهل والجهالة المستفزّة.. وذلك طالما أنّ قاعدة مفهومهم للحرية هي: كلّ أمرٍ يقرّره البشر، حتى لو كان هؤلاء خصوماً أو أعداء أو جهلةً أو حاقدين!.. بينما في منهجنا الحضاري الإسلاميّ ، المُقَرِّ منذ أكثر من أربعة عشر قرناً ، فلا مجال للاجتهاد في موضع نصٍّ شرعيٍّ قطعيٍّ.. وهذه هي الضمانة الأكيدة ، لتحقيق العدل والقسط بين الناس، ولعدم الوقوع في هاوية الهوى البشريّ ، الذي يَجُرّ – بانفلاته - إلى الأذى والظلم والقهر والاضطهاد والعدوان والحروب بين أتباع الأديان!.. لذلك ، فمنهجنا الحضاري الإسلاميّ ، يحترم إنسانية الإنسان ، ويمنعه –بل يحميه- من ارتكاب كل ما يُلحِقُ الأذى والضرر الماديّ والمعنويّ، بنفسه أو بغيره من بني البشر!.. وعلى هذا، فلا اجتهاد -مثلاً- في تحريم الزنا أو الخمر أو الظلم والعدوان والاستبداد!.. ولهذا كانت –وما تزال- (جَوْهرة) الفاروق عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه) تُدَوِّي في فضاءات الأرض، حين دخل القدس فاتحاً، منذ أكثر من أربعة عشر قرناً: [.. أنه لا تُسكَن كنائسُهم ولا تُهدَم، ولا يُنتقَصُ منها ولا من حَيِّزِها، ولا من صَليبهم، ولا من شيءٍ من أموالهم، ولا يُكْرَهون على دِينهم، ولا يُضارّ أحدٌ منهم..]، [..إنّهم آمِنون على دمائهم وأولادهم وأموالهم وكنائسهم، لا تُهدَم ولا تُسكَن..]!.. وهذا هو الصِّدّيق أبو بكرٍ (رضي الله عنه)، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يقدم توجيهات يُلزِمُ بها جنودَه، مع أنهم في حالة معركةٍ مع عدوّهم: [.. وسوف تَمُرُّونَ على قومٍ فَرَغوا أنفسَهم في الصوامع (أي أماكن العبادة والصلوات)، فَدَعُوهم وما فَرَغوا أنفسَهم له]!.. إزاء ذلك، لعلّنا نتساءل تساؤلاً مشروعاً: مَن الذي يملك رؤيةً إنسانيةً راقيةً لتكريم الإنسان واحترام حقوقه وحريّته : أصحاب (ديمقراطية) القرن الحادي والعشرين ، الذين يعتبرون العدوان على عقائد الناس مجرّد حرية رأيٍ وتعبير يحق لهم ممارستها حتى لو قلبت هذه الحريةُ المزعومةُ عاليها سافلها ؟!.. أم أصحاب المنهج الحضاري الإسلاميّ من أتباع محمدٍ صلى الله عليه وسلّم، الذين بشّروا به منذ ألفٍ وأربع مئةٍ وثلاثةٍ وثلاثين عاماً: لا حرية في امتهان عقائد الناس وأديانهم؟!.. وختاما يجب أن يعرف كل متطاول ومتطرف وفاقد للعقل أنه ولا حتى ألف فيلم أو رواية أو كتاب او رسوم وصور تستطيع تشويه صورة سيد البشرية وأشرف الخلق الذى علم – ومازال يعلم – الإنسانية حتى الآن مكارم الاخلاق ، وقال عنه المستشرقون الأجانب مثل أرنولد توينبى ولامارتين وبرنارد شو بأنه ليس هناك إنسان على وجه الأرض أعظم من النبى محمد، وأن العالم أحوج ما يكون إلى رجل فى تفكيره. صلوات الله وسلامه عليك يا حبيبنا يا رسول الله.. قالوا عنك بالأمس: مجنون، فدفع الله عزّ وجلّ عنك افتراءهم بالقول القاطع: (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) (التكوير:22).. وقالوا عنك: شاعر، فتصدّى لهم إله السماوات والأرضين جلّ جلاله: (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ) (الحاقة:41). وهاهم اليوم يقولون.. ويفترون.. وينفثون ما بأجوافهم من مكاره، لكنّ كلمات العزيز الجبّار كانت، بالأمس واليوم، قاطعةً مجلجلة: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر).. فقد دوّت من فوق سبع سماوات، لتعلنَ البشرى لأشرف خَلْقِ الله عزّ وجلّ.. وتؤكِّد النذير والتحذير، لِمُبغضيه، وللحاقدين عليه وعلى دينه وقومه.. فهي حروف من نارٍ ونور، نزلت في المتطاولين المتكبِّرين، وتوعّدت كلَّ معتدٍ أثيم، وهي كذلك، وَعْدٌ ووعيد، لكل مُفْتَرٍ يشوِّه الحقيقة، ليُثبتَ باطلَه، فاشتطّ واعتدى، وتجاوز الأصولَ البشرية للتعامل بين الناس والمجتمعات والأمم والشعوب. *أستاذ التسويق المساعد / جامعة تعز