الزنداني... الشيخ الداعية والسياسي القائد    بن دغر يعزي قيادة الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني ويثمن أدواره النضالية    "يجعله جدي يتصدر المجلس"...حفيد ابن باز ينعي رحيل الشيخ الزنداني    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    بن دغر يوجه رسالة لقادة حزب الإصلاح بعد وفاة الشيخ عبدالمجيد الزنداني    برشلونة يعتزم بيع اراوخو    إعلان موعد نهائي كأس إنجلترا بين مانشستر يونايتد وسيتي    رئيس مجلس القيادة يجدد الالتزام بخيار السلام وفقا للمرجعيات وخصوصا القرار 2216    مركز الملك سلمان يدشن توزيع المساعدات الإيوائية للمتضررين من السيول في الجوف    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    مفسر أحلام يتوقع نتيجة مباراة الهلال السعودي والعين الإماراتي ويوجه نصيحة لمرضى القلب والسكر    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    إنزاجي يتفوق على مورينيو.. وينهي لعنة "سيد البطولات القصيرة"    "ريال مدريد سرق الفوز من برشلونة".. بيكيه يهاجم حكام الكلاسيكو    مأساة في اليمن.. مقتل 28 طفلًا منذ يناير بألغام مليشيا الحوثي    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    الشيخ بن بريك: علماء الإسلام عند موت أحد من رؤوس الضلال يحمدون الله    لابورتا بعد بيان ناري: في هذه الحالة سنطلب إعادة الكلاسيكو    القبض على مقيم يمني في السعودية بسبب محادثة .. شاهد ما قاله عن ''محمد بن سلمان'' (فيديو)    انقطاع الشريان الوحيد المؤدي إلى مدينة تعز بسبب السيول وتضرر عدد من السيارات (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مكان وموعد تشييع جثمان الشيخ عبدالمجيد الزنداني    قيادي حوثي يقتحم قاعة الأختبارات بإحدى الكليات بجامعة ذمار ويطرد الطلاب    التضامن يقترب من حسم بطاقة الصعود الثانية بفوز كبير على سمعون    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    برئاسة القاضية سوسن الحوثي .. محاكمة صورية بصنعاء لقضية المبيدات السامة المتورط فيها اكثر من 25 متهم    ميلشيا الحوثي تشن حملة اعتقالات غير معلنة بصنعاء ومصادر تكشف السبب الصادم!    دعاء مستجاب لكل شيء    الحوثيون يستجيبون لوساطة قبلية للسماح بإقامة مراسيم الدفن والعزاء للزنداني بصنعاء    في اليوم ال 199 لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.. 34151 شهيدًا ونحو 77084 جريحا    ذمار: اندلاع حرب أهلية مصغرة تُثبت فشل الحوثيين في إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتهم    ديزل النجاة يُعيد عدن إلى الحياة    - عاجل محكمة الاموال العامة برئاسة القاضية سوسن الحوثي تحاكم دغسان وعدد من التجار اليوم الثلاثاء بعد نشر الاوراق الاسبوع الماضي لاستدعاء المحكمة لهم عام2014ا وتجميدها    عودة الزحام لمنفذ الوديعة.. أزمة تتكرر مع كل موسم    رئيس مجلس النواب: الفقيد الزنداني شارك في العديد من المحطات السياسية منذ شبابه    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    الامين العام للحزب الاشتراكي اليمني يبعث برقية عزاء ومواساة الى اللواء احمد عبدالله تركي محافظ محافظة لحج بوفاة نجله مميز    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    انخفاض أسعار الذهب مع انحسار التوترات في الشرق الأوسط    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    تراجع هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر.. "كمل امكذب"!!    ارتفاع الوفيات الناجمة عن السيول في حضرموت والمهرة    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الزنداني يكذب على العالم باكتشاف علاج للإيدز ويرفض نشر معلوماته    الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تفعل هذا الأمر    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    النقد الدولي: ارتفاع الطلب الأميركي يحفز النمو العالمي    المواصفات والمقاييس تختتم برنامج التدريب على كفاءة الطاقة بالتعاون مع هيئة التقييس الخليجي    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    المساح واستيقاف الزمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهجرة النبوية... دروس حية لإصلاح حياة الناس والنهوض بالمجتمع
نشر في سبأنت يوم 19 - 12 - 2009


صنعاء سبأنت: إعداد/ يحيي الضبيبي وحمزة الحضرمي
تعيش الأمة الإسلامية هذه الأيام إشراقه سنة هجرية جديدة تستقبل فيها باكورة عقد رابع من القرن الخامس عشر الهجري من ذكرى الهجرة النبوية الشريفة، التي تمثل منهلا عذباً للتزود من دروس وعبر هجرته صلى الله عليه وسلم المليئة بالحكمة ونور الهداية.
ويؤكد أهل العلم أنه من الواجب التعرف بعمق ودقة على تفاصيل السيرة النبوية انطلاقا من مبدأ أن السيرة النبوية ليست حكايات تروى، أو وقائع تحكى بغاية التسلية، وتجزئة الوقت، أو التغني بأمجاد تليدة سالفة، بل أن السيرة النبوية تجسيد عملي لسير وحركة الفرد المؤمن في الواقع المدعمة والموجهة بالوحي المسددة بتعاليمه.
وبهذا المعنى يؤكد جمهور العلماء أن السيرة النبوية تأخذ مكانتها المعتبرة المناسبة في مسيرة الدعوة إلي الله لما تكون مصدرا للتأسي والاقتداء والإتباع باعتبارها المنهاج النبوي المجسد لقيم الإسلام في نماذج عينية واضحة هي النتيجة المثلى للتربية النبوية الحانية والرحيمة.
كما يؤكد العلماء أن سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام لاتحد آثارها بحدود الزمان والمكان، خاصة أنها سيرة القدوة الحسنة والقيادة الراشدة قيادة محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وما نتج عن هذه الهجرة من أحكام ليست منسوخة ولكنها تصلح للتطبيق في كل زمان ومكان ما دام حال المسلمين مشابهاً للحال التي كانت عليها حالهم أيام الهجرة إلى المدينة المنورة.
مبينين أن معاني الهجرة يمكن أن يأخذ بها المسلمون في زماننا هذا، بل إن الأخذ بها ضرورة حياتية، لأن الهجرة لم تكن انتقالاً مادياً من بلد إلى آخر فحسب، ولكنها كانت انتقالاً معنوياً من حال إلى حال، إذ نقلت الدعوة الإسلامية من حالة الضعف إلى القوة ومن حالة القلة إلى الكثرة، ومن حالة التفرقة إلى الوحدة، ومن حالة الجمود إلى الحركة.
وبحسب العلماء والمختصين فإن الهجرة تعرف بأنها تعني لغة ترك شي إلى آخر، أو الانتقال من حال إلى حال، أو من بلد إلى بلد، يقول تعالى: "والرجزَ فاهجرْ" (المزمل 5)، وقال أيضاً: "واهجرهم هجراً جميلاً" (المزمل 10)، وتعني بمعناها الاصطلاحي الانتقال من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، وهذه هي الهجرة المادية، أما الهجرة الشعورية فتعني الانتقال بالنفسية الإسلامية من مرحلة إلى مرحلة أخرى بحيث تعتبر المرحلة الثانية أفضل من الأولى كالانتقال من حالة التفرقة إلى حالة الوحدة، أو تعتبر مكملة لها كالانتقال بالدعوة الإسلامية من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة.
ويؤكد وزير الأوقاف والإرشاد القاضي حمود الهتار على ضرورة الاستفادة من دروس الهجرة النبوية الشريفة لتعزيز مبدأ الإخاء والمساواة ونبذ أسباب الفرقة والاختلاف والابتعاد عن العصبية والتطرف بكافة أشكالهما وأنواعهما. لافتا إلى أن هذه المناسبة العظيمة غيرت مجرى تاريخ البشرية ورسمت للكون لوحة جديدة وضع ملامحها بأمره صلى الله عليه وسلم.
ونوه بالأسس التي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم خلال هجرته والمتمثلة في بناء مجتمع المدينة والانتقال من مرحلة الدعوة إلى بناء الدولة بدءاً من بناء المسجد لما له من أهمية في تربية الأجيال وتعزيز أواصر التعاون بين المسلمين، ثم المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وحتى وضع الوثيقة التي تعد أول وثيقة دستورية تحفظ حقوق الإنسان في تاريخ الأمة.
كما يؤكد وزير الأوقاف والإرشاد بإن الهجرة النبوية مثلت مرحلة هامة وحاسمة في تأريخ الإنسانية وأعلنت ميلاد عهد جديد في تحرير النفوس من
أمراض الجهالة وتسلط الطواغيت إلى نور العلم والإيمان في ظل قيم المحبة والتسامح بين كافة أفراد المجتمع".
وقال " إن الأمة في أمس الحاجة للأخذ بكتاب الله ومنهج المصطفى عليه الصلاة والسلام لحل مشاكلها وإنارة الطريق لها، خصوصا وأنها اليوم تعيش حالة من الفرقة والاختلاف بين أفراد الأمة.
ويرى العلامة الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله- في كتابه " فقه السيرة أن ذكرى الهجرة النبوية الشريفة قصة تؤخذ العبرة منها على امتداد الأيام، وتُذكر في أمور كثيرة وفي مناسبات مختلفة".
ويشير الغزالي إلى أن الهجرة لم تُذكر في سورة واحدة مثل المعارك لأن تلك المعارك استغرقت أيامًا قليلة أما الهجرة فلها شأن آخر، حيث ظلت أفواج المهاجرين متصلة سنين عددًا، ثم ذُكرت الهجرة في سور البقرة وآل عمران والنساء والأنفال والتوبة والنحل والحج والممتحنة والتغابن والحشر".
ويقول صفي الرحمن المباركفوري في كتابه الرحيق المختوم " لقد أذن الله تعالى لنبيه وأصحابه بالهجرة لما ضاقت عليهم الأرض، ومنعتهم قريش من إقامة دين الله، إن الهجرة بالمعنى الشرعي ليست مجرد الانتقال من بلد إلى آخر فحسب، بل هي هجرة عامة عن كل ما نهى عنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، حتى يكون الدين كله لله، هجرة من الذنوب والسيئات، هجرة من الشهوات والشبهات، هجرة من مجالس المنكرات، هجرة من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.
ويشير إلى أن من الدروس المستفادة من الهجرة، الصبر واليقين طريق النصر والتمكين، فبعد سنوات من الاضطهاد والابتلاء قضاها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة يهيأ الله تعالى لهم طيبة الطيبة، ويقذف الإيمان في قلوب الأنصار ، ليبدأ مسلسل النصر والتمكين لأهل الصبر واليقين "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم الأشهاد"، إن طريق الدعوة إلى الله شاق محفوف بالمكارة والأذى . لكن من صبر ظفر، ومن ثبت انتصر، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ويضيف" كما يستفاد من الهجرة درس في التوكل على الله والاعتصام بحبل الله، لقد كانت رحلة الهجرة مغامرة محفوفة بالمخاطر التي تطير لها الرؤوس، فالسيوف تحاصره عليه الصلاة والسلام في بيته وليس بينه وبينها إلا الباب، والمطاردون يقفون أمامه على مدخل الغار، وسراقة الفارس المدجج بالسلاح يدنو منه حتى يسمع قراءته، والرسول صلى الله عليه وسلم في ظل هذه الظروف العصيبة متوكل على ربه واثق من نصره، فمهما اشتدت الكروب ومهما ادلهمت الخطوب يبقى المؤمن متوكلاً على ربه واثقاً بنصره لأوليائه.
ويشير صفي الرحمن إلى المعجزات الإلهية في الهجرة حيث يقول " هل رأيتم رجلاً أعزلاً محاصراً يخرج إلى المجرمين ويخترق صفوفهم فلا يرونه ويذر التراب على رؤوسهم ويمضي .. هل رأيتم عنكبوتاً تنسج خيوطها على باب الغار في ساعات معدودة .. هل رأيتم فريقاً من المجرمين يصعدون الجبل ويقفون على الباب فلا يطأطئ أحدهم رأسه لينظر في الغار .. هل رأيتم فرس سراقة تمشي في أرض صلبه فتسيخ قدماها في الأرض وكأنما هي تسير في الطين .. هل رأيتم شاة أم معبد الهزيلة يتفجر ضرعها باللبن .إن هذه المعجزات لهي من أعظم دلائل قدرة الله تعالى ، وإذا أراد الله نصر المؤمنين خرق القوانين ، وقلب الموازين إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.
فيما يرى أن الدرس الخامس هو درس في الحب : وقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم :" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " .. ويقول " إن هذا الحب هو الذي أبكى أبا بكر فرحاً بصحبته صلى الله عليه وسلم ... إن هذا الحب هو الذي جعل أبا بكر يقاوم السم وهو يسري في جسده يوم أن لدغ في الغار لأن الحبيب ينام على رجله.
إن هذا الحب هو الذي أرخص عند أبي بكر كل ماله ليؤثر به الحبيب صلى الله عليه وسلم على أهله ونفسه .إن هذا الحب هو الذي أخرج الأنصار من المدينة كل يوم في أيام حارة ينتظرون قدومه صلى الله عليه وسلم على أحر
من الجمر . فأين هذا ممن يخالف أمر الحبيب صلى الله عليه وسلم ويهجر سنته ثم يزعم أنه يحبه !!يا مدعي حب أحمد لا تخالفه فالحب ممنوع في دنيا المحبينا.
وكذا الدرس السادس درس في التضحية والفداء عندما سطر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صفحات مشرقة من التضحية ، والمغامرة بالأنفس والأموال لنصرة هذا الدين وهاجروا لله ولم يتعللوا بالعيال ولا بقلة المال فلم يكن للدنيا بأسرها أدنى قيمة عندهم في مقابل أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم . فيوم أن بات علي في فراشه صلى الله عليه وسلم وغطى رأسه كان يعلم أن سيوف الحاقدين تتبادر إلى ضرب صاحب الفراش، ويوم أن قام آل أبي بكر عبدالله وأسماء وعائشة ومولاه عامر بهذه الأدوار البطولية كانوا يعلمون أن مجرد اكتشافهم قد يودي بحياتهم.
ويشير الشيخ صفي الرحمن المباركفوري إلى أن الدرس السابع من الهجرة درس يتجلى في العبقرية والتخطيط واتخاذ الأسباب، لقد كان صلى الله عليه وسلم متوكلاً على ربه واثقاً بنصره يعلم أن الله كافيه وحسبه، ومع هذا كله لم يكن صلى الله عليه وسلم بالمتهاون المتواكل الذي يأتي الأمور على غير وجهها. بل إنه أعد خطة محكمة ثم قام بتنفيذها بكل سرية وإتقان.
ويضيف" فالقائد : محمد ، والمساعد: أبو بكر، والفدائي: علي، والتموين : أسماء، والاستخبارات: عبدالله، والتغطية وتعمية العدو: عامر، ودليل الرحلة: عبدالله بن أريقط، والمكان المؤقت: غار ثور، وموعد الانطلاق: بعد ثلاثة أيام، وخط السير: الطريق الساحلي.
وهذا كله شاهد على عبقريته وحكمته صلى الله عليه وسلم، وفيه دعوة للأمة إلى أن تحذو حذوه في حسن التخطيط والتدبير وإتقان العمل واتخاذ أفضل الأسباب مع الاعتماد على الله مسبب الأسباب أولاً وأخرا".
ويشير إلى أن الهجرة النبوية تعلمنا درسا في الإخلاص فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنه ليس أحدٌ أمنُّ علي في نفسه وماله من أبي بكر " فقد كان أبو بكر الذي يؤتي ماله يتزكى ينفق أمواله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى الدعوة إلى دين الله.
ويشير إلى بعض التساؤلات التي تتعلق برفضه صلى الله عليه وسلم أخذ الراحلة من أبي بكر إلا بالثمن، مبينا ماقاله بعض العلماء في هذا الجانب .إن الهجرة عمل تعبدي فأراد عليه الصلاة والسلام أن يحقق الإخلاص بأن تكون نفقة هجرته خالصة من ماله دون غيره. وهذا معنى حسن، وهو درس في الإخلاص وتكميل أعمال القرب التي تفتقر إلى النفقة ( كنفقة الحج، وزكاة الفطر، وغيرها من الأعمال ) فإن الأولى أن تكون نفقتها من مال المسلم خاصة.
ويختتم صفي الرحمن المباركفوري بإشارته إلى أنه يستفاد من الهجرة، درس في التأريخ الهجري، إذ أن التأريخ بالهجرة النبوية مظهر من مظاهر تميز الأمة المسلمة وعزتها، ويعود أصل هذا التأريخ إلى عهد عمر رضي الله عنه، فلما ألهم الله الفاروق الملهم أن يجعل للأمة تأريخاً يميزها عن الأمم الكافرة استشار الصحابة فيما يبدأ به التأريخ، أيأرّخون من مولده عليه الصلاة والسلام ؟ أم مبعثه ؟ أم هجرته ؟ أم وفاته ؟، وكانت الهجرة أنسب الخيارات، أما مولده وبعثته فمختلف فيهما، وأما وفاته فمدعاة للأسف والحزن عليه، فهدى الله تعالى الصحابة إلى اختيار الهجرة منطلقاً للتأريخ الإسلامي.
منعطف تاريخي
ويقول الدكتور مصطفى شكري" في بحثه المنشور في موقع جماعة العدل والإحسان" الهجرة النبوية محطة تاريخية جليلة مثلت منعطفا تاريخيا عظيما في تاريخ الدعوة الإسلامية. إذ بها وجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم البيئة الإيمانية والنصرة الربانية اللتين بهما انتقل الإسلام من عهد الدعوة إلى عهد وضع اللبنات الأولى لعهد الدولة لما وجد الرسول الكريم وصحبه المهاجرون المحضن المستقبل والرجال الأنصار، فتحقق الأمن النفسي والاقتصادي شرط إمكان العبودية قال تعالى : فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع * وآمنهم من خوف [ قريش 5.4.3].
ويضيف" إن خلود معاني القرآن يجعل من مفهوم الهجرة مفهوما متجددا ممتدا عبر التاريخ شاملا لدلالات خالدة متعددة، وعليه فليست الهجرة النبوية مجرد حركة تاريخية، وواقعة زمانية مظروفة بشروط معينة انتهت
وانقضت ومضت، وإنما هي حركة إيمانية دائمة شاملة لمعاني التحول النفسي والاجتماعي اللذين يجب أن يلحقا الفرد المؤمن في سلوكه إلي ربه في المعاش والمعاد.
ويقول أستاذ الثقافة الإسلامية السابق بجامعة أم القرى محمد عبدالحميد أحمد في إحدى بحوثاته المنشورة في مجلة لواء الإسلام " الهجرة لم تكن تهربا من الجهاد وإنما كانت إعداد لأعبائه ولم تكن خوفا من الأذى ولكن توطيدا لدفعه ولم تكن جزعا من المحنة ولكن توطيدا للصبر عليها، وليست فرار من القدر ولكنها كانت فرارا إلى القدر.
من جانبه يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه فقه السيرة: من أبرز ما يظهر لنا من قصة هجرته عليه الصلاة والسلام، استبقاؤه لأبي بكر رضي الله عنه دون غيره من الصحابة كي يكون رفيقه في هذه الرحلة، وقد استنبط العلماء من ذلك مدى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وأنه أقرب أصحابه إليه وأولاهم بالخلافة من بعده ، ولقد عززت هذه الدلالة أمورا كثيرة أخرى مثل استخلافه عليه الصلاة والسلام له في الصلاة بالناس عند مرضه وإصراره على أن لا يصلي عنه غيره ، ومثل قوله في الحديث الصحيح: "لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ".
ويقول " ولقد كان أبو بكر رضي الله عنه على مستوى هذه المزية التي أكرمه الله بها، فقد كان مثال الصاحب الصادق بل والمضحي بروحه وكل ما يملك من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد رأينا كيف أبى إلا أن يسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم في دخول الغار كي يجعل نفسه فداء له عليه الصلاة والسلام فيما لو كان فيه سبع أو حية أو أي مكروه ينال الإنسان منه الأذى، ورأينا كيف جند أمواله وابنه وابنته ومولاه وراعي أغنامه في سبيل خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة الشاقة الطويلة، ولعمري إن هذا هو الذي يجب أن يكون عليه حال كل مسلم آمن بالله ورسوله، ولذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ".
ويضيف" قد يخطر في بال المسلم أن يقارن بين هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهجرة النبي عليه الصلاة والسلام ، ويتساءل : لماذا هاجر عمر علانية متحديا المشركين دون أي خوف ووجل ، على حين هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيا محتاطا لنفسه؟ أيكون عمر بن الخطاب أشد جرأة من النبي عليه الصلاة والسلام ؟!والجواب أن عمر بن الخطاب أو أي مسلم آخر غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعد تصرفه تصرفا شخصيا لا حجة تشريعية فيه، فله أن يتخير من الطرق والوسائل والأساليب ما يحلو له وما يتفق مع قوة جراته وإيمانه بالله تعالى، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مشرع، أي إن جميع تصرفاته المتعلقة بالدين تعتبر تشريعا لنا، ولذلك كانت سنته هي المصدر الثاني من مصادر التشريع مجموع أقواله وأفعاله وصفاته وتقريره، فلو أنه فعل كما فعل عمر، لحسب الناس أن هذا هو الواجب !...وأنه لا يجوز أخذ الحيطة والحذر، والتخفي عند الخوف، مع أن الله عز وجل أقام شريعته في هذه الدنيا على مقتضى الأسباب ومسبباتها وإن كان الواقع الذي لا شك فيه أن ذلك بتسبيب الله تعالى وإرادته.
ويؤكد الدكتور البوطي أن الرسول عليه الصلاة والسلام لأجل ذلك استعمل كل الأساليب والوسائل المادية التي يهتدي إليها العقل البشري في مثل هذا العمل، حتى لم يترك وسيلة من هذه الوسائل إلا اعتد بها واستعملها، فترك علي بن أبي طالب ينام في فراشه ويتغطى ببرده، واستعان بأحد المشركين - بعد أن أمنه - ليدله على الطرق الفرعية التي قد لا تخطر في بال الأعداء، وأقام في الغار ثلاثة أيام متخفيا، إلى آخر ما عبأه من الاحتياطات المادية التي قد يفكر بها العقل، ليوضح بذلك أن الإيمان بالله عز وجل لا ينافي استعمال الأسباب المادية التي أراد الله عز وجل بعظيم حكمه أن يجعلها أسبابا.
ويقول " لقد كان كل ما فعله من تلك الاحتياطات إذا، وظيفة تشريعية قام بها، فلما انتهى من أدائها، عاد قلبه مرتبطا بالله عز وجل معتمدا على حمايته وتوفيقه، ليعلم المسلمون أن الاعتماد في كل أمر لا ينبغي أن يكون إلا على الله عز وجل، ولكن لا ينافي ذلك احترام الأسباب التي جعلها الله في هذا الكون أسبابا، ومن أبرز الأدلة على الذي نقوله أيضا، حياته صلى الله عليه وسلم عندما لحق به سراقة يريد قتله وأصبح على مقربة منه، لقد كان من مقتضى كل تلك الاحتياطات الهائلة التي قام بها أن يشعر بشيء من الخوف من هذا العدو الذي يجد في اللحاق به، ولكنه لم يشعر بشيء من ذلك بل كان مستغرقا في قراءته ومناجاته لربه لأنه يعلم أن الله الذي أمره بالهجرة سيمنعه من الناس ويعصمه من شرهم كما بين في كتابه المبين.
ويشير إلى أن تخلف علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في أداء الودائع التي كانت عنده إلى أصحابها دلالة باهرة في التناقض العجيب الذي كان المشركون واقعين فيه، ففي الوقت الذي كانوا يكذبونه ويرونه ساحرا أو مخادعا لم يكونوا يجدون من حولهم من هو خير منه أمانة وصدقا ، فكانوا لا يضعون حوائجهم وأموالهم التي يخافون عليها إلا عنده !..وهذا يدل أن كفرانهم لم يكن بسبب الشك لديهم في صدقه، وإنما هو بسبب تكبرهم واستعلائهم على الحق الذي جاء به وخوفا على زعامتهم وطغيانهم.
ويضيف" ثم إننا نلمح في النشاط الذي كان يبذله عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه، ذاهبا آيبا بين الغار ومكة، يتحسس الأخبار وينقلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيه، وفيما بدا على أخته أسماء رضي الله عنها من مظاهر الاهتمام الجد في تهيئة الزاد و الراحلة واشتراكها في إعداد العدة لتلك الرحلة، نلمح في ذلك صورا مما يجب أن يكون عليه الشباب المسلم ذكورا ونساء في سبيل الله عز وجل ومن أجل تحقيق مبادئ الإسلام وإقامة المجتمع الإسلامي، فلا يكفي أن يكون الإنسان منطويا على نفسه مقتصرا على عباداته بل عليه أن يستنفذ طاقاته وأوجه نشاطه كلها سعيا في سبيل الإسلام، وتلك هي مزية الشباب في حياة الإسلام والمسلمين في كل زمان وعصر.
ويشير إلى أن المتأمل فيمن كان حول النبي صلى الله عليه وسلم إبان دعوته وجهاده، يجد أن أغلبيتهم العظمى كانوا شبانا لم يتجاوزوا المرحلة الأولى في عمر شبابهم ، ولم يألوا جهدا في تجنيد طاقاتهم وقوتهم من أجل نصرة الإسلام وإقامة مجتمعه.
ويضيف" ومن أبرز المعجزات الخارقة في قصة هجرته عليه الصلاة والسلام خروجه صلى الله عليه وسلم من بيته وقد أحاط به المشركون به ليقتلوه، فقد علق النوم في أعينهم جميعا حتى لم يحس به أحد منهم، وكان من تتمة السخرية بتآمرهم على حياته ما امتلأت به رؤوسهم من التراب الذي ألقاه رسول الله عليها إذ خرج من بينهم وهو يتلو قوله تعالى : (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون) ، لقد كانت هذه المعجزة بمثابة الإعلان لهؤلاء المشركين وغيرهم في كل عصر ووقت، بأن ما قد يلاقيه الرسول وصحبه من ألوان الاضطهاد والعذاب على أيديهم مدة من الزمن في سبيل دينه، لا يعني أن الله قد تخلى عنهم وأن النصر قد ابتعد عن متناولهم ، فلا ينبغي للمشركين وسائر أعداء الدين أن يفرحوا ويستبشروا بذلك، فإن نصر الله قريب وإن وسائل هذا النصر توشك أن تتحقق بين كل لحظة وأخرى.
فيما يقول أمام الحرم المكي الشيخ عبد الرحمن السديس: ومن الدروس العظيمة للهجرة النبوية إن عزة الأمة تكمن في تحقيق كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة عليها، وأن أي تفريط في أمر العقيدة أو تقصير في أخوة الدين مآله ضعف الأفراد وتفكك المجتمع وهزيمة الأمة، وإن المتأمل في هزائم الأمم وانتكاسات الشعوب عبر التأريخ يجد أن مردّ ذلك إلى التفريط في أمر العقيدة والتساهل في جانب الثوابت المعنوية مهما تقدمت الوسائل المادية، وقوة الإيمان تفعل الأعاجيب وتجعل المؤمن صادقا في الثقة بالله والاطمئنان إليه والاتكال عليه، لا سيما في الشدائد، ينظر أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى مواضع أقدام المشركين حول الغار فيقول: يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لأبصرنا، فيجيبه جواب الواثق بنصر الله: ((يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما))[1]. وفي هذا درس بليغ لدعاة الحق وأهل الإصلاح في الأمة أنه مهما احلولكت الظلمات فوعد الله آت لا محالة، حَتَّى? إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا [يوسف:110].
وأشار إلى درس آخر من دروس الهجرة النبوية ويتجلي في أن عقيدة التوحيد هي الرابطة التي تتضاءل أمامها الانتماءات القومية والتمايزات القبلية والعلاقات الحزبية، واستحقاق الأمة للتبجيل والتكريم مدين بولائها لعقيدتها وارتباطها بمبادئها، تتمثل في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.
ولفت إلى درس آخر في الهجرة يتمثل في التضحية والبذل والفداء ومراعاة كرامة الإنسان والحفاظ على حريته وحقوقه وفي مجال تربية الشباب والمرأة وميدان البيت والأسرة يبرز الأثر العظيم في حدث الهجرة المصطفوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، ففي موقف عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما في خدمة ونصرة صاحب الهجرة عليه الصلاة والسلام ما يجلِّي أثر الشباب في الدعوة ودورهم في الأمة ونصرة الدين والملة.
وتابع " وفي موقف أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ورضي اله عن آل أبي بكر وأرضاهم ما يجلِّي دور المرأة المسلمة في خدمتها لدينها ودعوتها.. مشيرا ً إلى أمر يتعلق بحدث الهجرة النبوية في قضية تعبر بجلاء عن اعتزاز هذه الأمة بشخصيتها الإسلامية، وتثبت للعالم بأسره استقلال هذه الأمة بمنهجها المتميز المستقى من عقيدتها وتأريخها وحضارتها، إنها قضية إسلامية وسنة عُمرية أجمع عليها المسلمون في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إنها التوقيت والتأريخ بالهجرة النبوية المباركة، وكم لهذه القضية من مغزًى عظيم يجدر بأمة الإسلام اليوم تذكره والتقيد به.
ويضيف إمام الحرم المكي" ونشير إلى حدث عظيم في شهر الله المحرم، فيه درس بليغ على نصرة الله لأوليائه وانتقامه من أعدائه مهما تطاولوا، إنه حدث قديم لكنه بمغزاه متجدد عبر الأمصار والإعصار، إنه يوم انتصار نبي الله وكليمه موسى عليه السلام وهلاك فرعون الطاغية، وكم في هذه القصة من الدروس والعبر والعظات والفِكَر للدعاة إلى الله في كل زمان ومكان، فمهما بلغ الكيد والأذى والظلم والتسلط فإن نصر الله قريب.
ويشير الشيخ السديس في إشارة رابعة إلى فاتحة شهور العام، شهر الله المحرم، إنه من أعظم شهور الله جل وعلا، عظيم المكانة، قديم الحرمة، رأس العام، من أشهر الله الحرم، فيه نصَرَ الله موسى وقومه على فرعون وملائه، ومن فضائله أن الأعمال الصالحة فيه لها فضل عظيم، لا سيما الصيام، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل))[1].
ويورد الدكتور محمد راتب النابلسي عدد من الدروس المستفادة من الهجرة النبوية أبرزها، الأخذ بالأسباب ثم التوكل على رب الأرباب قال تعالى " وكان حقا علينا نصر المؤمنين(47) [ سورة الروم ]،وكذا يستفاد من الهجرة الحقيقة التالية " لا تصدق و لا تتوهم و لا تعتقد أن الإيمان سكوني فلا قيمة في نظر الإيمان للإيمان النظري المجرد عن كل حركة، حينما تستقر حقيقة الإيمان في قلب المؤمن تعبر عن ذاتها بذاتها بحركة نحو الخلق"، لافتا إلى أن ً الهجرة بين مكة والمدينة مبدئيا أغلقت ولكن باب الهجرة مفتوح على مصراعيه بين كل مدينتين يشبهان في الماضي مكة والمدينة، وأي إنسان يقيم في مكان ما لا يستطيع أن يعبد الله فيه ينبغي أن يهاجر كما هاجر النبي عليه الصلاة و السلام، و حينما تكون الهجرة بذلاً للخبرات و الطاقات لغير بلاد المسلمين، كل علمك و اختصاصك لغير المسلم يتقوى بهما فهي في سبيل الشيطان، و حينما تكون الهجرة إضعافاً للمسلمين و تقوية لأعدائهم فهي في سبيل الشيطان، وحينما تكون الهجرة هروباً من تحمل المسؤولية وفراراً من البذل و التضحية فهي في سبيل الشيطان.
ويقول": إن الظروف التي أحاطت بالنبي صلى الله عليه و سلم والأحداث التي واجهها هي ظروف وقف منها النبي صلى الله عليه وسلم الموقف الكامل الذي ينبغي أن يقفه الإنسان ليؤكد إنسانيه وليحقق غاية وجوده".
ويضيف" إن الهجرة في حقيقتها موقف نفسي قبل أن تكون رحلة جسدية، إنها ابتعاد عن المنكرات وفعل للخيرات، إنها ترك للمعاصي وانهماك في الطاعات، وإذا كنت في زمن استعرت فيه الشهوات و كثرت فيه الفتن وعم فيه الفساد إن عبادة الله المخلصة الصادقة في هذه الأجواء الموبوءة تعد هجرة خالصة إلى الله و رسوله.
ويقول "يستفاد من الهجرة أنه لا يمكن أن تعين غير مسلم على قتل مسلم أو إيقاع الأذى به أو سلبه ثروته فكل أنواع المعاونة محرمة وهذا من بديهيات الدين وهذا من أولى فرائض الدين على المؤمنين، قال تعالى " إن الذين امنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين ءامنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير(72)والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير(73)".
وتؤكد الباحثة الأردنية في الاقتصاد الإسلامي/ خولة فريز النوباني أن الهجرة النبوية وما سبقها، وما تلاها من أحداث وفضاءات أحاطت بها وظلت قيما خالدة، خير دليل للاعتبار، يروى عن جابر رضي الله عنه في كتاب زاد المعاد في الجزء الثاني صفحة 56: "يتبع الناس في منازلهم في الموسم ومجنة وعكاظ: من يؤمني، ومن يؤويني، ومن ينصرني حتى أبلغ رسالات ربي فله الجنة؟ فلا يجد أحدا ينصره، ولا يؤويه، حتى إن الرجل ليرحل من مصر أو اليمن إلى ذي رحمة فيأتيه قومه فيقولون له: احذر غلام قريش لا يفتنك، ويمشي بين رجالهم يدعوهم إلى الله، وهم يشيرون إليه بالأصابع، حتى بعثنا الله من يثرب فيأتيه الرجل فيؤمن ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين، يظهرون الإسلام".
وتقول " ويتسائل الكثير عن سبب تعاطف أهل يثرب دون فئة لا يستهان بها من أقاربه صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك كثير من العبر فلو أسلم المقربون من النبي صلى الله عليه وسلم لكانت دعوته دعوة فيها من معنى العشائرية والعصبية، وبذلك شاء الله تعالى لهذه الدعوة أن تبنى على قواعد أكثر صلابة من القواعد الدنيوية المعتادة، أما في يثرب فقد كانت التركيبة السكانية من الوثنيين وأهل الكتاب، وأغلبهم من اليهود تدعو للتأمل، فالأوس والخزرج كان يتكرر على مسامعهم من اليهود أن نبي آخر الزمان سيظهر في منطقة العرب، وسيتبعونه ليقتلوهم معه قتل عاد وإرم، وكان العرب يحجون إلى البيت العتيق دون اليهود فالتقوا النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن ليترك قبيلة دون أن يدعوها، ولم يثنه كثرة ما لاقى من تعنت قريش والقبائل المحيطة بها عن الدعوة، وكان أن قالت الأنصار: تعلمون والله يا قوم أن هذا الذي توعدكم به يهود المدينة ، فلا يسبقنكم إليه".
وتؤكد أن في استجابة الأنصار واستغلالهم لعنصر السبق الزمني في اتخاذ القرار بناء على معلومات كانت تتهددهم من عدوهم في المدينة بداية لتحول المنطقة ككل، وبداية تشكل التاريخ المضيء للأمة.
وتضيف إن هذا الحدث النوراني الذي نستشرف منه اشراقات لا بد أن نعيد قراءتها، من ذلك الحين بدأ التمهيد للهجرة النبوية المطهرة وما صاحبها من معجزات كان لها من الدلالات ما يكفي لزيادة اليقين بأن الله تعالى مع عباده المخلصين.. وقد شرّف الله سيدنا ابو بكر الصديق بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته، يروي البخاري في صحيحه (جزء1/ص556) عن أنس رضي الله عنه أنه كان من دأب ابي بكر رضي الله عنه أنه كان ردفا للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان شيخا يعرف، ونبي الله صلى الله عليه وسلم شابا لا يعرف، فيلقى الرجل أبا بكر فيقول:من هذا الرجل الذي بين يديك ؟فيقول: هذا الرجل يهديني الطريق ، فيحسب الحاسب انه يعني به الطريق ، وإنما هي سبيل الخير"، وكان إخلاصه لصاحبه سيد الخلق دورا مميزا في امتداد الدعوة فيما بعد، وتشّرب نهج النبي صلى الله عليه وسلم في كافة أمور الدين والدنيا.
وبالرغم من حاجة النبي صلى الله عليه وسلم للتخلص من أذى قريش ومن والاهم ،إلا أنه بقي في انتظار الإذن الإلهي بالهجرة، وفي ذلك تأكيد على أن النبي لم يكن لينفرد بقرار ديني دون أن يوحى له بالإذن، وكان قد سبق ذلك إذن بالجهر بالدعوة، وتلاه إذن بالقتال، وقد صبر النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه على كثير من الأذى لحين ان أصبح لهم شوكة، وقوة تؤهلهم للانتقال من مرحلة إلى أخرى.
وتضيف " وبالرغم من أن جلّ البعثة النبوية لم تستغرق من عمر الزمان سوى ثلاثة وعشرين عاما إلا أن الإنجازات على أصعدة مختلفة كانت قد تحققت بل واختصرت عوائق سابقة لتصبح حافزا على نشر الدعوة بثبات، ولترسل برسالات حضارية إلى الأمم آنذاك وإلى أن تقوم الساعة بان في ديننا ونبيه صلى الله عليه وسلم ما يستدعي النظر بإجلال في زمن تختفي فيه النماذج الإنسانية القيادية، لتحل محلها المفاهيم المغلوطة من حرية تعبير لا تنم إلا عن ثقافة إعلام مضلل، وقد يكون موجها في اغلب الأحيان.
الهجرة فيصلا بين مرحلتين
ويؤكد الأستاذ نبيه زكريا عبد ربه في مجلة الأمة، العدد الأول، محرم 1401 ه أن حادثة الهجرة تعتبر فيصلا بين مرحلتين من مراحل الدعوة الإسلامية هما المرحلة المكية والمرحلة المدنية، ولقد كان لهذه الحادث آثار جليلة على المسلمين، ليس فقط في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن آثاره الخيرة قد امتدت لتشمل حياة المسلمين في كل عصر ومصر، كما أن آثاره شملت الإنسانية أيضاً، لأن الحضارة الإسلامية التي قامت على أساس الحق والعدل والحرية والمساواة هي حضارة إنسانية، قدمت، ولا زالت تقدم للبشرية أسمى القواعد الروحية والتشريعية الشاملة، التي تنظم حياة الفرد والأسرة والمجتمع، والتي تصلح لتنظيم حياة الإنسان كإنسان بغض النظر عن مكانه أو زمانه أو معتقداته.
ويشير إلى أن الهدف من الهجرة كان هدفا عظيما ، وهو الانتقال بالرسالة الإسلامية من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة، والمؤرخون يقسمون سيرة الدعوة الإسلامية إلى مرحلتين متميزتين: العهد المكي الذي يمثل مرحلة الدعوة، والعهد المدني الذي مثل مرحلة الدولة.
ويقول " وأرى أن بين هاتين المرحلتين مرحلة انتقالية تمثل مرحلة الثورة، لأنها نقلت الدعوة الإسلامية نقلة هائلة سريعة من مرحلة كان هدفها تربية الفرد المسلم إلى مرحلة أصبح هدفها تكوين المجتمع المسلم، ومن دعوة كانت مجرد عقيدة وفكرة إلى دعوة أصبحت شريعة ودولة، ومن حركة محدودة الآثار إلى حركة عالمية الأهداف، ومن دعوة أتباعها قلة مستضعفون إلى دعوة أتباعها سادة فاتحون. ولهذا كانت الهجرة ثورة عقائدية، بكل ما تحمله هذه العبارة من معان إيجابية، لأنها غيرت أحوال المسلمين تغييراً جذرياً، فنقلتهم من الضعف إلى القوة، ومن القلة إلى الكثرة، ومن الانحصار إلى الانتشار، ومن الاندحار إلى الانتصار، ولم تقف آثارها عند هذا الحد بل كانت ثورة على كل ما يخالف شريعة السماء وفطرة الإنسان السليمة، فشملت آثارها النواحي العقائدية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ويشير إلى أن هدف المصطفى صلى الله عليه وسلم من هجرته إلى المدينة إيجاد موطئ قدم للدعوة لكي تنعم بالأمن والاستقرار حتى تستطيع أن تبني نفسها من الداخل وتنطلق لتحقيق أهدافها في الخارج، ولقد كان هذا الهدف أملاً يراود رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال مرة لأصحابه: "رأيتُ في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب ظني إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي يثرب".
كما كان هدف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهجرة تكثير الأنصار وإيجاد رأي عام مؤيد للدعوة، لأن وجود ذلك يوفر عليها الكثير من الجهود ويذلل في طريقها الكثير من الصعاب، والمجال الخصب الذي تتحقق فيه الأهداف، والمنطلق الذي تنطلق من الطاقات، ولهذا حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث (مصعب بن عمير) إلى المدينة ليعلم الأنصار الإسلام وينشر دعوة الله فيها. ولما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وجود رأي عام مؤيد للدعوة في المدينة حثّ أصحابه إلى الهجرة إليها وقال لهم: "هاجروا إلى يثرب فقد جعل الله لكم فيها إخواناً وداراً تؤمنون بها".
ويضيف .. كما هدف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهجرة استكمال الهيكل التنظيمي للدعوة، فقد كان وضعاً أن يكون الرسول القائد في مكة، والأنصار والمهاجرون في المدينة، ولهذا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون بين ظهراني أتباعه، لأن الجماعة بدون قائد كالجسد بلا رأس، ولأن تحقيق أهداف الإسلام الكبرى لا يتم إلا بوجود جماعة مؤمنة منظمة، تغذ السير إلى أهدافها بخطى وئيدة.
زوال صولة الباطل
ويؤكد العلماء أن الهجرة كانت إيذانا بأن صولة الباطل مهما عظمت وقوته مهما بلغت فمصيرُها إلى الزاولِ ونِهايتُها إلى الفشَلِ والبَوارِ، وإيذانًا بأنَّ الحقَّ لا بدَّ لهُ من يومٍ تُحَطَّمُ فيهِ الأغلالُ وتعلو فيهِ رايتُهُ وتَرتفِعُ كلمتُهُ وقد وعدَ الله عزوجل المؤمنينَ بالنَّصرِ المبينِ وجعلَ لهم من الشدةِ فرَجًا ومن العُسرِ يُسْرًا ومن الضيقِ سَعَةً؛ قالَ تعالى: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [سورة غافر].
كما يؤكدون أنَّ الابتهاج بهذهِ الذكرى تمتزج بالعزم على الاقتداء بصاحب الذكرى، والتمسك بهديه وعقيدته، والالتزام بشريعته، معلمين ومتعلمين، فهو القائل صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو ءاية"، وأن الهجرة كانت درساً في الصبر والتوكل على الله تعالى ولم تكن طلبا للراحة ولاهرباً من العدو ولاتهرباً من الدعوة وأعبائها بل كانت بأمر من الله تعالى في وقت أشد ماتكون البشرية في ذلك الزمان إلى الهدي المحمدي فلقد أرسل الله خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم إلى البشرية وهي أحوج ما تكون إلى رسالته، وأشدَّ ما تكون ضرورة إلى دينه، بعد أن صار الكثير من الناس في ظلمات الشرك والجهل والكفر، فأرسل الله عبده محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس جميعاً، قال الله تعالى: " قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ فَأَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (الأعراف/158).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.