لا يختلف اثنان في مناطق الأرض وشعوبها على كراهية الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها الغربيين ، وهذه الكراهية لم تأت اعتباطا ولا جزافا ولا تعديا إنسانيا أو افتراء ، وإنما نبتت وتجذرت وتعمقت نتيجة طبيعية ومسلم بها لما تصنعه أمريكا وحلفاؤها الغربيون وما ترتكبه من جرائم وبشاعات يشيب لها الولدان في كل أصقاع الأرض وبحق كل الشعوب والأمم المغلوبة على أمرها ، حتى أنها أي أمريكا لا تسثني شيئاً من شئون الآخرين حتى مقدساتهم وعقائدهم الدينية .. فهم أي أمريكا وحلفاؤها يرون أنه لا حق لأي شعب على وجه البسيطة أن يعيش بحريته متمتعا بحقوقه وخيراته وثرواته سواء ما هي في باطن الأرض أم في ظاهرها إلا إذا كان ذلك برضاهم وتحت وصايتهم وبعدما يبلغون حد الشبع إن حدثت معجزة وشبعوا ، فبترول الشعوب ومعادنها وكل خيراتها من وجهة نظر أمريكا وحلفائها لا يستحقها سواهم أبدا ، ولذلك تغزو أراضي الدول وتمتهن شعوبها وتتجبر عليها تحت ذرائع ما خلق الله فيها من سلطان ، منها ما تدعيه حماية (حكوك ) أو حقوق الإنسان ، وهي من تقوم بقتل الآلاف بل والملايين منه لأتفه الأسباب إذا كان ذلك يخدم مصالحها وأغراضها الدنيئة .. والشواهد كثيرة لا تحصى قديما في فيتنام ولاوس وكمبوديا واليابان وتشيلي وغيرها ، وحديثا في فلسطين والعراق وافغانستان وغيرها كثير ، وما حدث أخيرا بإنتاج ذلك الفيلم السيئ السمعة المسيء لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك نشر الكاريكاتورات التي تنهج نفس نهج ذلك الفيلم المسيء في عديد من صحف الغرب المتصهين ، ما كل ذلك إلا قطرة من مطرة في بحر ما تصنعه أمريكا وحلفاؤها الغربيون الذين يسنون التشريعات والقوانين لتجريم أية إساءة أو مس ولو غير مقصود لمعتقدات وأضاليل اليهود الصهاينة السابقة واللاحقة تحت ذريعة معاداة السامية ، بينما المساس بمقدسات المسلمين يعدونها حرية عامة مكفولة للإنسان الغربي ، غير عابئين بما سيحدثه ذلك من غضب عارم للمسلمين ولا بغضب دولهم إن غضبت تلك الدول والأنظمة الإسلامية .. وما حدث من ردود فعل غاضبة غالبيتها كانت غير موفقة ، صبت جلها في الصالح الأمريكي الغربي ، حيث واتتها الفرصة لتستغل ذلك الشغب والغضب الجماهيري المنطلق بالحمق والتطرف منفذا لرغباتها وأهدافها المتسترة ، لترسل سريعا جنود (المارينز ) لحماية السفارات والمصالح الأمريكية ، بينما هي لم تحرك ساكنا تجاه من أنتجوا ومولوا ومثلوا ذلك الفيلم المسيء لسيد البشر جمعاء محمد صلى عليه وسلم ، تحت ادعاء أنها لم تكن تعلم مسبقا بذلك الفيلم ، وذلك عذر أقبح من فعل لأنه لا يمكن أن يصدق أحد أن أمريكا بكل ما لديها من أجهزة أمنية واستخباراتية تعرف من خلالها كل ما يجري في العالم كله ولا تعلم أو تعرف ما يحدث في عقر دارها ؟ .. لولا أنها عرفت وتغاضت وهي على يقين تام أنها ستستفيد مما سيحدث عقب ذلك من ردود فعل طائش غاضب ، وليس غريباً عليها ذلك النهج فهي قد سبق لها أن دبرت بالتنسيق مع اليهود الصهاينة حادثة تفجيرات ( 11) سبتمبر ليكون مبررا وذريعة لتجعل من الإسلام والمسلمين أعداء وهميين لها لتحارب طواحين الهواء وأشياء مجهولة إلا في مخيلتها ، خالقة نتيجة لذلك الفعل فزاعة تسمى ب ( القاعدة ) والإرهاب الإسلامي ، اللذين جعلت منهما حجة ومبررا للتدخل في كل شئون العالم العربي الإسلامي .. وبغباء وحماقة منقطعة النظير وتهور نعطيها نحن المسلمين تلك الحجة والدافع لما تعمله فينا وفي بلداننا بردود الأفعال الغبية والرعناء باقتحام السفارات والعنف والشغب والتفجيرات التي لا تنتج شيئا سوى أن تجعل منها أمريكا ذريعة لنشر قواتها في بلداننا تحت ادعاء حماية سفاراتها ومصالحها ، كما حدث أخيرا في ليبيا ومصر وتونس والسودان ، حيث لم يكن الهدف من تلك الحماقات الرعناء إلا النهب وإعطاء صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين .. والتأكيد للعالم والأمم الأخرى مصداقية الغرب وما يقوله عنا بأننا لا نجيد الصد والدفاع والذود عن معتقداتنا وديننا إلا بذلك الأسلوب الهمجي الذي ربما شاهده العالم كله والذي ربما أيضا تعاطف مع الولاياتالمتحدةالأمريكية كدولة معتدى عليها وعلى مصالحها وسفاراتها ، مجيزين ومعطين الحق لها بردود فعل أقوى وأقسى حماية لنفسها ومصالحها ، متناسين جريمة الإساءة للإسلام ورسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، مع أنه كان الأسلم والأجدى بدلا من اقتحام السفارات وتلك الأفعال التي لم تخدم القضية أن يعقد مؤتمر قمة إسلامية يتفق فيه حكام المسلمين على التكامل الاقتصادي بكافة جوانبه ، ومن ثم إعلان المقاطعة الاقتصادية بكافة جوانبها ولا شك أن الشعوب الإسلامية لن تخيب ثقة حكامها إن صدقت .. وبذلك سيكون الرد فعالا ومؤثرا يفزع الغرب برمته وسيضع للوضع مليون حساب ربما قد يلجئه الموقف إلى سن تشريعات رادعة ومؤثرة تمنع تكرار أية إساءة أو مس بدين الإسلام ورسوله الكريم ، فالتجربة أثبتت أنها فعالة ، ولنا في ما فعله زعيم الهند وعظيمها (المهاتما غاندي ) قدوة حسنة فهو لم يلجأ للعنف مع الاستعمار البريطاني وإنما اختار الطريقة والأسلوب السلمي ، وذلك بالمقاطعة الاقتصادية ومقاطعة كل البضائع والمنتجات البريطانية حتى أفقدهم سوق الهند الكبير مما جعلهم يرون أنه لا مناص من مغادرة الهند ومنحها الاستقلال وأن لا صالح لهم في البقاء .. وبأسلوب المقاطعة الاقتصادية السلمية تكون الأمة الإسلامية قد كسبت المعركة دون أن تعطي للأعداء ذريعة وحجة للإساءة لهم أو للإسلام ومبررا للغزو أو التدخل في الشئون الداخلية للدول والشعوب العربية والإسلامية ، حيث سيكون ذلك الفعل سلاحاً أنجع وأفضل من تلك الحماقات والشغب الذي طال السفارات والمصالح الغربية ، الذي بلا شك ولا ريب أنه كان مخططا له ومدبرا ، ولا تعدم أمريكا الأعذار والذرائع ، فإذا لم توجد أوجدتها هي ( فكم في الجراب يا حاوي).. وما حدث للعراق إلا عينة مما يمكن أن تصنعه أمريكا فهي تبدأ أولا بإحداث الفرقة والعداء بين المسلمين وبين دولهم ثم بعد ذلك تنفرد بمن تريد لتحقيق غرضها ، بعد أن تكون قواتها وجنودها قاب قوسين أو أدنى ، فهل نفهم الدرس أو هل فهم حكامنا وكل علمائنا ومثقفينا وساساتنا ما يتوجب عليهم ؟ فأنا شخصيا أشك جدا أن يحصل ذلك الفهم والإدراك ، فلا زالت ( الجمعة الجمعة والخطبة الخطبة وعق والديه عق والديه ) وستظل أمريكا تعيث وتلوث وتستثمر جهلنا وغفلتنا وحماقاتنا واندفا عنا حتى يقيض الله لنا من يخرجنا مما نحن فيه فنحن الآن كالنعاج نساق إلى حتفنا ولا ندري ماذا يحاك لنا وبنا ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله ..