ما حدث يوم أمس من اقتحام للسفارة الامريكية بصنعاء هو أمر مرفوض ومدان ومستنكر باعتباره قد تجاوز الحدود القانونية للتظاهرات والاحتجاجات السلمية ، ولا شك أن هناك قوى وأطرافاً استغلت حالة الغضب ومشاعر الاستياء الطبيعية والمنطقية لدى البسطاء لتحقق أهدافاً معينة وتوجه رسائل داخلية وخارجية وهذه الأطراف أصبحت معروفة مثلما أن أعمالها أصبحت مكشوفة. وبالنظر إلى ردود الأفعال التي اجتاحت بلدان العالمين العربي والإسلامي نجد أن ما عبرت عنه التظاهرات والمسيرات والاحتجاجات قد تدرج بين مسيرات سلمية واحتجاجات غاضبة خرجت في بعض الأحيان عن الإطار السلمي كما هو الحال أيضاً في ليبيا التي دفع السفير الأمريكي فيها ثمناً باهظاً لذلك الفيلم الذي أجج المشاعر وأدى إلى اقتحام القنصلية الأمريكية في بنغازي ليحدث ما حدث. نتفهم الاستياء الأمريكي تجاه ما حدث في بلادنا وأيضاً تجاه حادثة مقتل السفير كريس ستيفنز الذي قضى جل حياته الدبلوماسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهو الذي كان بدأ اهتمامه ومعرفته بالعرب والعالم العربي لأول مرة بعد سفره إلى شمال أفريقيا ضمن فريق من المتطوعين في فيلق السلام ومن ثم عمله كمدرس للغة الانجليزية لمدة سنتين في المغرب وإجادته للغة العربية قبل أن يتحول للعمل الدبلوماسي. ولكن في المقابل على الولاياتالمتحدة أن تتفهم الغضب العارم الذي اجتاح أكثر من مليار ونصف المليار مسلم بعد أن تم عرض الفيلم الذي أنتجه أقباط المهجر وتضمن إساءة للإسلام وإهانات للرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم. هو عمل استفزازي ينضم إلى قائمة سوداء من الأحداث السابقة التي من بينها قيام القس الأمريكي تيري جونز بإحراق المصحف الشريف, وقيام مجموعة من الجنود الأمريكيين بإهانة كتابنا المقدس وإحراق القرآن الكريم في قاعدة باجرام الأمريكية بأفغانستان وقبل ذلك الرسوم الكاريكاتورية وأزمة الحجاب وغيرها من الحوادث التي تكشف الوجه القبيح لمن يقف وراءها وتعبر عن حقد دفين تجاه الإسلام والمسلمين. في اليمن وعديد من بلدان العالم العربي والإسلامي مددنا أيدينا لتعاون مشترك في مجال مكافحة الإرهاب وضرب من يشتبه بأنهم متطرفون ينتمون لجماعات إرهابية كالقاعدة وغيرها , فهل تتصدى الولاياتالمتحدة بنفسها لأولئك الذين يقفون وراء تلك الأعمال الاستفزازية الدنيئة أو على الأقل أن تفتح لنا أبوابها وأجواءها وتمنحنا تسهيلات لملاحقة أولئك المتطرفين الذين يحملون جنسيتها ويمارسون قبحهم فوق أراضيها. على أمريكا أن تستوعب درس الأنظمة الدكتاتورية التي رضخت شعوبهم لهم طويلاً وظنوا أن هذه الشعوب قد ماتت من فرط استكانتها وطول صمتها لكن في نهاية المطاف اتضح أن لذلك الصبر حدوداً ..فكان الانفجار بركاناً وطوفاناً لم تستطع تلك الأنظمة الصمود في وجهه ..وبالمثل فإن صبر العالم الإسلامي على تلك الإساءات والاهانات المتكررة وعن ذلك الصمت الأمريكي والغربي تجاه مجازر ترتكب بحق المسلمين هنا وهناك ,هو صبر لا يمكن أن يستمر الى ما لا نهاية. فكلما حاول الليبراليون وقوى الاعتدال في العالمين العربي والاسلامي رسم صورة محسنة لأمريكا تقنع هذه الشعوب بأن واشنطن صديق جيد وحليف داعم لأمن واستقرار هذه البلدان ولرخاء شعوبها عبر دعم نضالات المكافحين ضد الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة والحالمين بالديمقراطية والدولة المدنية , جاءت مثل هذه الحماقات والاستفزازات لتنسف كل ذلك وتلمع من صورة قوى التطرف التي تنشط في هكذا مناخات ملبدة . وختاماً ينبغي الاشارة الى أن قيام نحو 120 منظمة قبطية حول العالم بمطالبة السلطات الأمريكية رسمياً بوقف عرض الفيلم المسيء للإسلام وللرسول صلى الله عليه وسلم , شكل خطوة ايجابية من جانب الأقباط ومحاولة لوأد أي تداعيات قد يحدثها عرض الفيلم ومن شأنها إحداث شرخ عميق في التعايش الديني القائم بينهم وبين المسلمين والذي يتجسد تاريخياً في مصر الشقيقة كنموذج رائع ومثالي لم تشبه سوى شوائب السنوات الأخيرة والتي ساهمت في تأجيجها عوامل داخلية وخارجية.