مؤتمر القبائل الذي يسعى إلى كسرنا بلا هوادة وكسر ما تبقى من زجاج الدولة المدنية، وجيل ثوري نفسيته لا زالت مشروخة من عملية سرقة الأضواء وحمل اللافتات البديلة... أبدى استعداده لحسم معركة يرى أنها الكرامة متمثلة في خيمة ورز داخل الكيس....جرح عميق قد لا يفطن له البعض. لا معنى الآن إذاً للصور التذكارية التي أخذها كثير من شباب الثورة بطريقة حالمة وجريئة بعض الشيء.... هذا من حقهم على الأقل وهم يتبادلون الشعور الروحي والإيمان بالمستقبل الجميل لكل الذين عرفوهم أو لم يعرفوهم... جرح قادم سيعترض طريقهم في المستقبل البعيد حيث تكون كتابة التاريخ حكراً على من يمتلك رأس المال.... قد يكتب شخص ما تاريخاً أظنه لن ينشر أن هذا المؤتمر كان خطوة أولى من خطوات اغتيال المشروع المدني ...إنهم ما زالوا خلف كثيب الرمل نفسه الذي كان في ثورة 1962م بنفس الأدوات وبنفس الذهنية الصدئة التي اغتالوا فيها حلم المشروع الوطني لدى شريحة كبيرة من أبناء الشعب حلمت بذهاب مشروع “أحمد يا جناه” فجاءها أصحاب سيارات الحبة والربع حتى نصل إلى طريقة ابتزازية جديدة بجملة من دفتر المطامع الشخصية “نحن حمينا الثورة “. التأمل التاريخي يحيلنا إلى أشياء كثيرة ما زالت تحفظها الذاكرة اليمنية رغم كل ما خطط لها كي تتناسى تاريخها تحت ظروف ضاغطة ...أعتقد أنها تتصل بمصطلحات خلف السجون والصعق الكهربائي وزنزانات متر في متر وأشياء من هذا القبيل كان يبثها الجهاز الأمني ل “تيس الضباط”. كتبت جولو فاكيا عن مؤتمر عمران الذي كان في سنة 1963م وكيف تم في هذا المؤتمر الخطوة الأولى لاستلاب حلم اليمنيين في المواطنة والمساواة رغم أن دوافعه بدت سليمة في ذلك الوقت وهي عدم سقوط اليمن في قبضة الجيش المصري واستعادة القرار اليمني... لا نستطيع إنكار مقولة أن “التاريخ يعيد نفسه” متى ما توفرت الظروف والأسباب لقيامها وزد عليها أن السلالة هي ذاتها السلالة كابراً عن كابر....فلماذا لا يعيد التاريخ نفسه في هذه الظروف المتطابقة تماماً حد الوجع الذي يشعر به أبناء الجعاشن الذين ينامون في الأرصفة...قال صديقي: إنها إرادة الله...فقلت: إنها إرادة الشيخ. كثير من مشائخ اليمن يمكن وصفهم أنهم مدنيون قبليون وقبليون مدنيون ...إنها صورة غير واضحة... يتكلمون بصفتهم الحزبية وبانتمائهم العشائري والأسري ... لم “يفتلخوا” كما كنت أظن عندما كانت أمي توبخني صغيراً بطريقتها الجميلة أن من يأكل لقمتين يختنق ومن يركب جملين “يفتلخ”...هم أصحاب مشاريع شخصية أرادوا أن ينجزوها على ظهر الجملين معاً ....ربما هي أقدار هذا الشعب الطيب الذي عانى كثيرا من صراع الآباء ويعاني الآن كثيرا من صراعات الأبناء الطامحين للسلطة والمنحدرين من أصول عريقة... يذهب ضحيتها كثير من أبناء الأسر غير العريقة حد قولهم. في هذه الحالة وبازدياد شعور المكر والتربص بالثورة ومحاولة الغدر بها دون أدنى شعور بخيانة أحلام اليمنيين وآلامهم...يصبح إغلاق البوابات الخلفية للحياة السياسية أمراً واجباً على الشعب أن لا يفرط فيه ولو للحظة...إنهم لن يناموا والشعب ما زال يحرس ثورته. لقد سعى زعماء العشائر والقبائل إلى إخضاع أجهزة السلطة العليا في نفوذهم آنذاك ...أي في 1963م ...ربما كان هذا منطقياً في ذلك الوقت إذ كانت نسبة الأفراد القبليين في اليمن يقدر ب 95% من إجمالي عدد السكان....وهذا المؤتمر الجديد بثوب قديم هو حيلة من حيل ترسيخ مواقعهم في الحياة الاجتماعية والسياسية...على أن القبيلة كانت عنصرا رافضاً للوجود المصري في اليمن هي أيضاً أداة من أدوات الضغط الخارجي على السياسة اليمنية...ستفاجأ وأنت تقرأ أسماء مشائخ القبائل في اللجنة الخاصة الذين ينتظرون حصتهم من مصارف الخارج.... لست هنا بصدد السرد التاريخي لحقائق وأسباب اغتيال ثورة سبتمبر من قبل النافذين ومراكز القوى كما هو حال أي مشروع وطني يحاول أن ينهض بين فكي أسد، لأن الخطوة التالية لأعمال المؤتمر كانت تشكيل فرق قبلية تقوم مقام الجيش ويشرف عليها تسعة من مشائخ القبائل. يمكننا فهم القضية برمتها على أنها ابتزاز سياسي من نوع لماذا تم إقصاؤنا عن تشكيلة اللجنة الفنية للحوار الوطني؟!!. [email protected]