المواطن الثائر إبان ثورة 11 فبراير كان يرجو ويأمل أن تعود عليه الثورة بعوائد مختلفة من نجاح ثورته, وذلك بالقضاء على الظلم وإيجاد فرص متكافئة في العمل والوظيفة والعيش الكريم والصحة والتعليم السوي, وغير ذلك في تنمية بشرية ومجتمعية تؤسس لحياة من الرفاهية, غير أن العوائد التي حصلوا عليها بالفعل كانت معاكسة في معظم الأحيان، تتمثل في مزيد من الانقسام وظهور مشاريع لم تكن في الحسبان ولم يتنبه لها كثيراً إلا الآن, ونرجو أن لا يكون بعد فوات الأوان, بعد أن تكالب عليه من في الداخل والخارج في القضاء على حلمه بعيش وحرية وكرامة, شعاره الذي لم يعد أثيراً في كثير من الأحيان.. نعم طريق الثورات ودروب التغيير لن تكون مفروشة بالورود, بل ستزرع لها الأشواك وتوضع المصدات والمطبات المختلفة التي تعرقل المسيرة وتوقف النجاح وفق تخطيط محكم, بأن يتم إلهاء الرأي العام وقياداته عن الأهداف الإستراتيجية والحيوية بتوجيههم نحو أهداف ثانوية أو أقل أهمية، وتعزيز العقد المرضية والماضوية على حساب الأفكار والخطط التي تسعى نحو حفظ كرامة المواطن وصون حقوقه المختلفة بأن يعيش كريماً في وطنه ويموت فيه كريماً.. ومن المعروف أن ثورتنا انتهت بمبادرة أفضت إلى مؤتمر حوار جامع لكل الأطياف السياسية في البلد هدفه الرئيس إنهاء حالة الانقسام ولمّ الجميع حول كلمة سواء يكون فيها الصلاح للوطن وأبنائه في الداخل والخارج بطرح الحلول والمعالجات للمشكلات المختلفة, التي يجب النقاش فيها والكلمة الأولى والأخيرة هي للشعب وللشعب فقط إن كانوا يعلمون وبالحوار يفقهون, لا لمجموعة منهم, أردنا منهم أن يكونوا مفتاحاً للحل لا الحل نفسه وهذا ما يقوله المنطق والعقل وتؤطره أبجديات الحوار, ليكون بحق مؤتمر حوار وضعت الجموع آمالها عليه لا أن نكون كالمستجير من الرمضاء بالنار فبدلاً عن إطفاء الحرائق العمل على زيادة اشتعالها. فمن هذه القضايا والتي أخذت مساحة كبيرة من الجدل في الأيام الماضية كانت قضية شكل الدولة القادمة وهويتها والتي انسحبت مجتمعياً بعد أن كانت حصراً على المتحاورين تحت قبة موفنبيك في العاصمة صنعاء, وكان يجب كما يرى الكثير غيري تأجيل مثل هكذا قضايا, الخوض فيها يشبه تفسير المفسر أو تعريف المعرف أي لا أهمية تذكر للناس في مناقشة هكذا قضايا ما هي إلا تعبير عن أفكار ورؤى تخدم مخططات وأجندة, تهدف أولاً وأخيراً إلى زيادة مساحة التنافر والتضاد بين القوى المختلفة ليس إلا.. أقول هذا بعد أن أرهقنا أنفسنا وقلوبنا تنظيراً وكتابة عن الدولة المدنية, دولة المواطنة المتساوية من خلال التبشير والحلم بها من قبل ومن بعد, فقلنا: آمنا على أن نكون شركاء جميعاً في هذا الصرح, وألا يكون غير ممرد من قوارير؛ لكن أن نرى من يرفع ساقه ليس تعجباً مما رأى, لكن تنكراً وجحوداً لدولة المواطنة, التي حلمنا بها وكنا لها من الدعاة ومن المبشرين, وكانوا ومازالوا للأسف الشديد على الرغم من كفرهم بها وعدم الإيمان بمبادئها وشروطها, فهاهم يقومون بتشويهها وتجزئتها بما يتوافق مع أهوائهم الإيديولوجية التعصبية التي توارثوها كابراً عن كابر, وهم كما أرى أنا لا غيري أذلة في نفوسهم صاغرون. فكان من الأحرى مناقشة قضايا تعد بمثابة مشاكل عصية, يعاني منها الجميع شمالاً وجنوباً, وهي مشاكل لا تخفى على أحد, بل غدت واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار, منها تزايد الانفلات الأمني وانتشار السلاح وغياب المسؤولية وغلاء الأسعار وغياب المراقبة, بالإضافة إلى توسع الهوة وحالة الانقسام الحاصلة سياسياً واجتماعياً وثقافياً وسلوكياً, فمن الواجب إعلاء الأصوات المنادية بالمواطنة بأن نغدو كلنا في اليمن الشقيق سواسية, لا فرق في القانون بين الزبيدي والمهري والسقطري والصنعاني والجوفي وغيره إلا بالتقوى, لا فرق بين العامل البسيط الشاقي الذي يأكل من عرق جبينه والشيخ الكبير الذي يأكل عرقنا ويمتص دمنا قولاً وفعلاً وواقعاً. فإذا وصلنا إلى هذه الدرجة فنكون عبرنا بشكل عملي عن شكل الدولة الجديد, بعيداً عن المسميات والمصطلحات والهرطقات العقيمة التي تزيد من قلق المجتمع وإشغاله عن أهدافه الحقيقية في البناء والتنمية. رابط المقال على الفيس بوك